رقابة محكمة النقض على أسباب الحكم الجنائي بين إشكالية النص والتطبيق

 

رقابة محكمة النقض على أسباب الحكم الجنائي بين إشكالية النص والتطبيق

محمد الكريني

دكتور في القانون الخاص

مقدمة :

تعتبر محكمة النقض محكمة قانون، ومقرر لها قانونا أن تسهر على مدى التطبيق الصحيح للقانون من لدن محاكم الموضوع[1].

وعلى اعتبار أن النظام القانوني المغربي لا يأخذ بازدواجية القضاء، فقد جعل من محكمة النقض أعلى درجة في الهرم القضائي، وأمدها بخصوصية انفردت بها عن باقي المحاكم المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف، ويبقى دورها المحوري هو التأكد من مدى مطابقة الحقيقة الواقعية للحقيقة القضائية.

وقد جرى في أدبيات الفقه القانوني نعت محكمة النقض بأنها المحكمة التي تراقب مدى تطبيق القانون دون أن تمتد رقابتها إلى الواقع، لكن هذه الفرضية ليست مطلقة إذا ما علمنا أن محكمة النقض لا يمكنها أن تراقب الجانب القانوني من الحكم القضائي إن لم تتفحص الجانب الآخر منه المتمثل في الأسباب الواقعية.

وعموما فرقابة محكمة النقض على أسباب الحكم الجنائي هو ما يوضح مدى صحة المبررات التي صاغها القاضي الجنائي في حكمه، لذا فرقابة محكمة النقض على أسباب الحكم لا تتحقق إلا من خلال الرقابة على صحة عملية التسبيب،  وهو ما يمكنها من مراقبة صحة استخلاص القاضي للواقعة ومدى كفايتها ومنطقية الأدلة التي استند عليها في إثباتها أو نفينها ثم حكمه بالبراءة أو الإدانة بحسب الأحوال.

وتبعا لذلك تتجلى أهمية الموضوع في نقطتين أساسيتين، أولهما تأطير المشرع هذه العملية القضائية بنصوص قانونية تضفي شرعية محكمة النقض في بسط رقابتها على الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الموضوع، مع إمكانية الطعن بالنقض كلما تحققت في الحكم الجنائي أسباب الطعن بالنقض الواردة في نص المادة 534 من قانون المسطرة الجنائية.

في حين تنصرف النقطة الثانية من أهمية الموضوع إلى امتداد رقابة محكمة النقض إلى الأسباب الواقعية في الحكم القضائي الصادر جنائيا.

ويبقى الاستفهام المشروع حول مدى امتداد رقابة محكمة النقض على أسباب الحكم الجنائي من الناحيتين الواقعية والقانونية ؟

وهكذا ومن أجل محاولة تسليط الضوء أكثر على مختلف هاته الجوانب المذكورة أعلاه، قررنا أن نعالج هذا الموضوع وفقا للتصميم الآتي:

المبحث الأول : جرد الأسباب الواقعية والمادية الخاضعة لرقابة محكمة النقض

المبحث الثاني : جرد الأسباب القانونية الخاضعة لرقابة محكمة النقض

المبحث الأول : جرد الأسباب الواقعية والمادية الخاضعة لرقابة محكمة النقض

لما كان خروج رقابة محكمة النقض عن رقابة الجانب الواقعي للحكم الجنائي راجع بالأساس إلى حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته بما يتوافق مع السلطة التي يتمتع بها في تقدير الأدلة ومدى كفايتها لإثبات الواقعة ونسبها إلى المتهم، فإن هذه السلطة هي ليست بالسلطة المطلقة وإنما هي سلطة خاضعة ومحددة بقيود قانونية، وتجد سندها القانوني بمقتضى المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه: "يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم".

وبمقتضى هذا الأساس القانوني يتبين على أن القناعة الوجدانية للقاضي الجنائي هي سلطة محددة بقيود قانونية، خاصة عندما ينص القانون على إثبات الجريمة بوسيلة من وسائل الإثبات المحددة قانونا.

وعلى هذا النحو فالاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي[2] لا يتأرجح بين أقوال الضحية والمتهم، وإنما يعود لتقييم الأدلة التي توضح الحقيقة الواقعية للقضية والتي هي نفسها الرؤية الحقيقية التي يراها القاضي الجنائي لا كما يراها الخصوم.

ومن جانبه يكون قاضي الموضوع خاضعا في ذلك لرقابة محكمة النقض، عن طريق وقوف المحكمة على حقيقة الاقتناع الموضوعي لقضاة الموضوع وكيفية هذا الاقتناع، مما يفيد كفاية ومنطقية هذا الاقتناع مع مضمون الحقيقة القانونية.

ولأجل القراءة في مضمون الأسباب الواقعية والمادية الخاضعة لرقابة محكمة النقض، حاولنا الوقوف على مسألة طبيعة رقابة محكمة النقض على الأسباب الواقعية للحكم الجنائي المطلب الأول، ثم التطرق والوقوف على مسألة الأسباب الواقعية والمادية الخاضعة لرقابة محكمة النقض المطلب الثاني.

المطلب الأول : الطبيعة القانونية لرقابة محكمة النقض على الأسباب الواقعية للحكم الجنائي

من الجدير بالذكر أن الوقائع المادية[3] بما في ذلك الأدلة بمختلف أشكالها هي على نوعين وقائع مادية تخضع لتقديرات شخصية للقاضي، فيكون حرا في الأخذ بها أو طرحها، وذلك بعد الموازنة بينها أو مقارنتها.

أما النوع الثاني من الوقائع المادية فتتحدد في الوقائع المادية الموضوعية والتي تخضع لرقابة محكمة النقض، على اعتبار أن محكمة القانون لا تراقبها من حيث تقدير القاضي لها، وإنما تراقبها من حيث مدى تطبيق الطريقة الإجرائية في الوصول إليها، أو من حيث وجودها أو عدم وجودها وكذا طريقة تكييفها.

وعلة ذلك أن المشرع المغربي أوجب على القاضي الجنائي بمقتضى المادة 365 من قانون المسطرة الجنائية التي استلزمت في بندها الثامن اشتمال الحكم على الأسباب الواقعية، بالإضافة إلى المادة 287 من نفس القانون التي نصت على أن القاضي لا يبني المقرر إلا بناءا على حجج وأدلة عرضت أثناء الجلسة بصفة حضورية، وشفوية، وعلنية"، ثم المادة 286 من نفس القانون والتي نصت على: "أن المحكمة إذا اتضح لها أن الإثبات غير قائم في حق المتهم، صرحت ببراءته وعدم إدانته".

ومن تم يعتبر الحكم الجنائي الصادر نتيجة عدم كفاية الأسباب الواقعية من أسباب الطعن فيه بالنقض استنادا لنص المادة 534 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن: "يرتكز الطعن بالنقض في الأوامر أو القرارات أو الأحكام القابلة للطعن بالنقض على أحد الأسباب التالية:

1 – خرق الإجراءات الجوهرية للمسطرة

2 – الشطط في استعمال السلطة

3 – عدم الاختصاص

4 – الخرق الجوهري للقانون

5 – انعدام الأساس القانوني أو انعدام التعليل".

وعلى هذا الأساس تجد محكمة النقض الأساس القانوني لبسط رقابتها على محكمة الموضوع من حيث الجانب الموضوعي للحكم من خلال مضمون الشرط الخامس من نص المادة 534 من ق.م.ج المتعلق بانعدام التعليل.

وعليه فالمشرع الجنائي المغربي ألزم في قانون المسطرة الجنائية على القاضي الجنائي البحث في وقائع الدعوى بحثا كافيا ومنطقيا حتى يستطيع أن يطبق القانون على هذه الوقائع تطبيقا سليما، دون الإخلال بهذا الالتزام التشريعي[4].

وعلى هذا النحو يعتبر الحكم الجنائي الصادر بعدم كفاية الأسباب الواقعية من بين أهم الوسائل[5] التي تمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على قضاء الموضوع، لعلة مفادها أن الإثباتات الواقعية تتطلب أن تكون كافية ومحددة.

وعليه، فإن كان للقاضي الزجري الحرية في التقدير والاقتناع، وله السلطة الكاملة في وزن كل دليل على حدة، من خلال الأخذ بالدليل أو طرحه، فإن هذه السلطة مشروطة بأن يستخلص قراره بشكل منطقي ومعقول، بحيث يوفق ما بين مضمون الأدلة المقدمة إليه وبين قناعته الشخصية[6].

والحال أنه إذا كان هذا الاقتناع لا يخضع لرقابة محكمة النقض، إلا أن لهذه الأخيرة أن تراقب الحكم الصادر عن محكمة الموضوع من خلال الجانب الواقعي للحكم، من حيث اعتبار الدليل الذي اعتمدت عليه محكمة الموضوع دليلا قانونيا أم لا.

وبالتالي تتحقق محكمة القانون من شرعية الإجراءات المعتمدة في الحصول على الأدلة، لأنها مسألة تتعلق بالتطبيقات القانونية وليست من الأمور الواقعية، وعليه فرقابة محكمة النقض على الجانب الواقعي للحكم تقوم على سلطة محكمة القانون بإلغاء الإجراء المخالف للقانون والذي يعبر عن الطبيعة الإلزامية للقاعدة الإجرائية.

ومن تم تراقب محكمة النقض مدى كفاية الأسباب الواقعية من خلال التأكد من وقوف محكمة الموضوع على وقائع الدعوى وأدلتها ومدى التزام هذه الأخيرة بحكم القانون فيها.

وتبعا لذلك فرقابة محكمة النقض على هذه القناعة تتحقق عن طريق عملية تسبيب الحكم، باعتباره الوسيلة القانونية التي تمكن محكمة النقض من مراقبة حسن تطبيق القانون.

وبمقتضى ذلك، فرقابة محكمة النقض للأسباب الواقعية تتحدد من خلال ملاحظة أركان الجريمة ومدى تحققها في الواقعة المنسوبة إلى المتهم.

فعلى سبيل المثال القول بتوافر الركن المادي في جرائم النصب ينبغي أن يستفاد من حكم الإدانة فيه وقوع فعل الاحتيال المنصوص عليه في الفصل 540 من مجموعة القانون الجنائي، ولا يكفي في بيانه مجرد قول الحكم بأنه قد ثبت من الوقائع أن الجاني استعمل طرقا احتيالية توصل بها إلى النصب على المجني عليه، بل ينبغي بيان الوقائع التي استنتجتها المحكمة، والتي اعتبرتها احتيالا، وإلا كان الحكم معيبا ومستوجبا نقضه[7].

أما القول بتوافر القصد الجنائي فإنه يدخل في التقدير النهائي لقاضي الموضوع متى أسس القول به على أسباب مؤدية إليه.

في حين أن تقدير عنصر الضرر هو مسألة موضوعية وتلتزم بمقتضاه محكمة الموضوع بأن تبين في حكمها عبارات تنم عليه.

وزيادة على ذلك فإن كانت الرابطة السببية[8] تخضع لرأي قاضي الموضوع بغير رقابة عليه من محكمة النقض مادام قد استخلص من الوقائع ما يؤدي إلى القول بصحة ذلك، فإن الاستثناء منها هو أن تخضع العلاقة السببية لرقابة محكمة النقض من حيث القول بأن فعلا معينا يصلح عقلا لأن يكون سببا للنتيجة التي حصلت أو لا يصلح وذلك في جميع مواطن السببية، أي سواء أكانت بين فعل الجاني عمديا أم غير عمدي، والنتيجة المعاقب عليها أو المشددة للعقوبة[9]، أم بين فعله والضرر المطلوب ركنا قائما بذاته.

بالإضافة إلى ذلك فإن رقابة محكمة النقض على استنتاج الحكم كثيرا ما تكون هي الآلية التي تكشف ما شاب إجراءات المحاكمة من بطلان أو إخلال بحق الدفاع لما تقتضيه هذه الرقابة من مراجعة إجراءات الحصول على الأدلة المختلفة والاستدلال بها.

وهو ما يقتضي من محكمة النقض أن تراقب في الموضوع ما يعد دفاعا جوهريا، أو طلبا هاما من طلبات التحقيق، وما لا يعد كذلك بحسب مدى اتصاله بواقعة الدعوى وتأثيره في احتمال ثبوتها أو نفيها، لعلة أنها تؤثر في ظهور وجه الحق فيها.

ومن تم فتقدير ذلك لا يكون إلا بالرجوع إلى ظروف الدعوى وملابسات الدفاع أو طلب التحقيق الذي طلب الدفاع إجراءه، ومثل ذلك يمكن أن يقال أيضا عن الدفوع القانونية، سواء استندت إلى نصوص القانون الجنائي كتوافر سبب الإباحة مثل حالة الدفاع الشرعي المنصوص عليها في الفصلين 125 و126 من ق.ج، لذا فكل حالة متعلقة برفض طلب تحقيق دفاع هام بدون مبرر قانوني، أو رفض طلب تأجيل الدعوى رغم توافر العذر القهري، لا يسعف في التعرف على أهمية الدفع وتأثيره في الفصل في الدعوى إلا بالرجوع إلى مدى اتصاله من ناحية تأثيره فيه والتأثر به.

وتبعا لذلك تراقب محكمة النقض مدى توافق أسباب الحكم في الرد على وجه الدفاع الموضوعي الهام، أو الدفع القانوني الجوهري، سواء استند قاضي الموضوع إلى القانون الجنائي أو إلى قانون المسطرة الجنائية، إذ أن محكمة النقض تضطر[10] إلى مراقبة الحكم من جانبه المتعلق بصحة تحصيل الواقع، بقدر تأثيره في النتيجة التي خلص إليها من حيث قبول الدفع أو رفضه.

وفي المقابل فإن رقابة محكمة النقض على الجانب الواقعي للحكم لا يعني تحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، وإنما هي مطالبة فقط بأن تقدر كل الوقائع الثابتة في الأوراق، ومن أمثلتها أن يكون الحكم الصادر عن محكمة الموضوع متناقضا مع ما هو ثابت في محضر الجلسة، ففي هذه الحالة يكون حكم محكمة الموضوع قد خالف القانون، ومن تم تتدخل محكمة النقض قصد تحقيق العدالة الجنائية.

ولأجل الاطلاع أكثر على عملية رقابة محكمة النقض على الجانب الموضوعي للحكم الصادر عن محكمة الموضوع، سنقف على الأسس التالية:

الفقرة الأولى : الرقابة على مصادر الاقتناع

بمعنى أنه إذا كانت الأحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين، فإن القاضي الزجري مقيد بضرورة أن يستمد اقتناعه من أدلة ثابتة في أوراق الدعوى وأن تكون لها أصول صحيحة وشرعية، وسبق أن طرحت أمام المحكمة.

لذا تراقب محكمة النقض مصادر الاقتناع من خلال ملاحظة ما إذا كان قاضي الموضوع قد بين في حكمه مشروعية الأدلة التي أسس عليها اقتناعه.

الفقرة الثانية : الرقابة على صحة الاقتناع

يتجلى دور محكمة النقض في مراقبة صحة الاقتناع من خلال تفحص إن كانت أسباب الحكم كافية وواضحة[11] دون أن يعتريها التناقض الذي قد يهدم قيمة الأدلة التي اعتمدت عليها محكمة الموضوع في التدليل على صحة النتيجة المتوصل إليها.

الفقرة الثالثة : الرقابة على منطقية الاقتناع

تقوم عملية رقابة محكمة النقض على منطقية الاقتناع من خلال التأكد من مدى إلتزام قاضي الموضوع بمضمون العملية المنطقية[12] التي يقوم بها القاضي الجنائي من استقراء واستنباط عند محاولته للوصول إلى نتيجة معينة.

وبذلك فرقابة محكمة النقض على منطقية الاقتناع تتأسس على التحقق من ما إذا كان القاضي الجنائي قد استند على أسس مشروعة أم لم يؤسس حكمه على ذلك.

المطلب الثاني: استقرار محكمة النقض على الأسباب الواقعية والمادية الواجبة البيان في الحكم الجنائي

تتحدد الأسباب الموضوعية الخاضعة لرقابة محكمة النقض في ستة[13] ضوابط يجب مراعاتها من لدن القاضي الجنائي عند تطرقه لموضوع الدعوى ومناقشته لعناصر الإثبات والنفي، وهذه الضوابط هي كالآتي:

الفقرة الأولى : سرد مضمون الأدلة المعتمدة في إثبات الفعل الجرمي

لعل الحديث عن سرد مؤدى الأدلة عما ثبت من وقائع الدعوى وظروفها يتطلب من محكمة الموضوع أن تكون هذه العملية مبنية على وجود أدلة قد كشفت عنها إجراءات صحيحة، وأن يستند الدليل في أصله إلى القواعد التي فرضها قانون المسطرة الجنائية ضمانا لحريات الأفراد ولصحة الإثبات، وكذا لضمان حق الدفاع، ومن تم فإن أهدرت هذه القواعد كانت عملية سرد وقائع الدعوى قائمة على أساس غير صحيح.

وبذلك فإن محكمة النقض تستلزم في الأحكام القضائية إيراد الأدلة التي استندت إليها في بناء أحكامها، وتوضيح الأدلة التي اعتمدت عليها في تقرير الإدانة أو البراءة، وأن لا تكتفي في بناء حكمها على مجرد ذكر دليل من أدلة الإثبات بدون أن تبين مضمون الدليل بشكل واضح ومفصل،  فضلا عن بيان العناصر المكونة للجريمة ولظرف من ظروف التشديد أو التخفيف عند الأخذ به، وفي ذلك قضت محكمة النقض المغربية بالقول: "حكم البراءة بني على عدم ثبوت الأفعال المنسوبة للمتهم، واقتصر على القول: بأنه لم ينتج لا من البحث التمهيدي ، ولا من المناقشة، أن المتهم قام بالفعل المنسوب إليه، دون أن يبرر بما فيه الكفاية العناصر والأسباب التي أثبت عليها البراءة، فكان بذلك الحكم ناقص التعليل"[14].

وعلى هذا الأساس فإن بني الحكم على عبارات مبهمة أو مجملة أو خالية من الأسباب التي تبين مضمون الأدلة، أو اقتصر على مجرد القول بأن أركان الجريمة غير متوفرة، أو اكتفى قاضي الموضوع في حكمه بالقول أن المتهم مسؤول عما نسب إليه، أو استبعد الدليل دون تبرير هذا الاستبعاد، فإن هذه الحالات من شأنها أن ترتب على الحكم الطعن فيه بالنقض.

الفقرة الثانية : أن تكون الأدلة من المستندات التي ناقشتها المحكمة

يجد هذا الشرط سنده القانوني في المادة 287 من ق.م.ج التي نصت على أنه: "لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامها".

ومن تم فصحة عملية تعليل الحكم الجنائي لا تقوم إلا على حجج تمت مناقشتها داخل المحكمة بصفة علنية وحضورية وشفهية، ولها أصل في أوراق الملف، وفي ذلك قضت محكمة النقض المغربية في قرار صادر عنها بالقول: "بأن المحكمة إذا بنت حكمها بالإدانة، على تصريحات شاهدين لدى الضابطة القضائية ولم يتم مناقشتها أمام هيئة المحاكمة، بعد أدائها اليمين القانونية، فإن حكمها يكون غير مبني على أساس صحيح من القانون"[15].

الفقرة الثالثة : أن تكون الأدلة وليدة إجراءات صحيحة

يشترط لصحة الحكم الجنائي أن يكون مضمون الدليل المستند في إثبات الواقعة صحيحا[16]، أي أن يكون وليد إجراءات غير مخالفة للقواعد المختلفة التي رسمها قانون المسطرة الجنائية وحتم اتباعها في جميع الاستدلالات، وإلا كان الاستدلال قائما على أساس غير صحيح.

وفي ذلك نص المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية بمقتضى المادة 751 منه بالقول: "على أن كل إجراء يأمر به القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز".

ومن تم فإن كل استدلال قائم على دليل باطل من قبيل أن يكون دليل التفتيش باطلا، أو أن تكون عملية القبض على المتهم غير صحيحة، أو أن يكون الاستجواب مخالفا للقانون، أو أن يكون الاعتراف منتزعا بالقوة[17]... وغيرها من الحالات الأخرى يجعل من الحكم قابلا للطعن فيه بالنقض.

الفقرة الرابعة : خلو أسباب الحكم من الغموض والإبهام

استقر العمل القضائي على أنه يتطلب لصحة الحكم الجنائي أن تكون أسبابه خالية من كل إبهام أو غموض، ومعنى ذلك هو أن يلتزم قاضي الموضوع عند تعليل حكمه بضرورة أن تكون أسباب حكمه المتمثلة في بيان أسباب توافر أركان الجريمة وظروفها، وكذا الرد على أوجه الدفاع الهامة أو الدفوع الجوهرية... متسقة ومترابطة فيما بينها، حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على أسباب الحكم ومسوغاته.

ومن تم فإن بني الحكم الجنائي على أسباب غامضة أو مبهة فإن الحكم يكون معيبا ومستوجبا نقضه، وفي ذلك قضت محكمة النقض المغربية بالقول: "يعتبر الحكم معيبا إذا اقتصر على القول مثلا، بأن الدفاع الذي أثاره أحد الأطراف غير جدي، أو أنه من الدفوع الأولية، فلا تقبل إثارته بعد الدفاع في الجوهر، وإنما يتعين بيان مضمون الدفاع حتى تتمكن محكمة النقض من مراقبة ما إذا كان حقيقة غير جدي، وأنه من الدفوع الأولية التي يسقط الاحتجاج بها بالدفاع في الموضوع"[18].

الفقرة الخامسة : غياب التناقض في حيثيات الحكم

من الجدير بالذكر، أن مفهوم التناقض كان[19] في واقع الأمر مفهوما محدود النطاق، وكان يقصد به "مجرد التناقض بين الظروف المادية التي أثبتها قاضي الموضوع في حكمه وبين طبيعتها القانونية التي يجب أن تقرر لها وتوصف بها قانونا".

بمعنى آخر كان يعنى به مجرد التناقض الذي يقع فيه قاضي الموضوع عند محاولة تكييف الواقعة تكييفا صحيحا بتقريب الواقع إلى القانون، وهذا التحديد أثار جدلا فقهيا، إذ اعتبر الفقيه [20]Pierre de chauveron أن الأخد بهذا المفهوم المحدد للتناقض هو مفهوم غير واضح، لأن التناقض لا يتصور حدوثه حقيقة بين ظروف الواقعة وبين النتيجة التي قد استخلصها القاضي عنها، بل يتصور حدوثه بين القدر الذي استخلصه قاضي الموضوع من هذه الظروف وبين القدر الذي ينبغي أن يستخلصه المنطق السليم عنها.

وبعد ذلك، استقر قضاء النقض على أنه ينبغي ألا يقع في تعليل الأحكام بوجه عام تناقض أو تضارب بين الأسباب، بحيث لا يصح أن يستفاد من أسباب الحكم الجنائي عدم ثبوت الواقعة ثم ينتهي بالإدانة أو العكس، كما لا يصح أن تذكر المحكمة واقعة الدعوى على صورتين متناقضتين[21]، وفي ذلك قضت محكمة النقض المغربية بالقول: "يكون عديم الأساس القانوني، قرار الإحالة من غرفة الإتهام، الذي يعتمد في الأدلة على مقتضيات الفصل 379 من ق.ج، المتعلق بالسرقة الموصوفة المقترنة بظرف التشديد المتمثل في حمل السلاح، في حين أن الوصف الذي وصف به الأفعال، هو أنها سرقة مقترنة بظرف آخر هو ارتكابها ليلا"[22].

الفقرة السادسة : تساند الأدلة[23]

إذا كان القاضي الجنائي حرا في تقدير الأدلة المطروحة عليه، بأن يأخذ بالدليل الذي يطمئن إليه وجدانه، أو أن يطرح الدليل الذي لا يطمئن إليه وفقا لمبدأ حرية القاضي في الاقتناع، فإنه مقيد بأن يؤدي هذا الاقتناع إلى الجزم واليقين، لأن الحكم الجنائي يتطلب لصحته أن يستند على أدلة متساندة فيما بينها ويعزز بعضها البعض الآخر.

وبهذا المعنى فإن تسرب البطلان إلى دليل من الأدلة التي اعتمد عليها القاضي الجنائي في تكوين قناعته يعرض الحكم للنقض والإبطال، ويستوجب معه إعادة النظر من جديد في باقي الأدلة الأخرى.

وفي المقابل فإن هذه القاعدة لا تتعارض[24] مع إمكانية استبعاد دليل إذا كان هذا الاستبعاد لا يؤثر على عقيدة القاضي ولا يهدم التساند بين الأدلة، مادام أن هذا الدليل ليس له أي أثر في الرأي الذي توصلت إليه المحكمة وانتهت إليه، ولم يكن ليؤدي إلى اختلاف النتيجة المتوصل إليها.

وتبعا لكل هذه الاعتبارات يمكن القول أن صلاحية محكمة النقض في مراقبة صحة الأدلة من ما تضمنته أسباب الحكم الجنائي تقوم على أساس إن كانت الوقائع المختلفة تصلح لأن تكون عناصر إثبات أو نفي[25].

وتبعا لذلك يتطلب أن تكون عملية الاستدلال على صحة الحكم الجنائي من لدن قاضي الموضوع قائمة على أدلة متماسكة تصلح لأن يستخلص منها عناصر الإثبات أو النفي، بحيث لا يصح استخلاص نتيجة خاطئة، ولو من دليل صحيح أو واقعة ثابتة.

المبحث الثاني : جرد الأسباب القانونية الخاضعة لرقابة محكمة النقض

استقرت محكمة النقض في النظام القانوني المغربي على توليها النظر في الطعون المقدمة إليها ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الزجرية، والسهر على التطبيق الصحيح للقانون، والعمل على توحيد الاجتهاد القضائي، ومد رقابتها على عملية التكييف القانوني للوقائع المبنية عليها المتابعة الجنائية.

فهذه الرقابة المخولة لمحكمة النقض بمقتضى المادة 518 من قانون المسطرة الجنائية تجعل منها الجهة القضائية التي تكفل وحدة القضاء من خلال عملها على ضمان وحدة تطبيق القانون، وذلك عن طريق مراقبة عملية تعليل قاضي الموضوع للحكم الجنائي.

وعلى هذا النحو، فلما كان تسبيب الحكم التزاما قانونيا يقع على عاتق قاضي الموضوع حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على الأحكام والنظر في مدى مطابقتها للقانون، فإن رقابة محكمة النقض للأحكام الجنائية رهين بأن يشتمل الحكم الجنائي على الأسباب الواقعية والقانونية حتى تتمكن محكمة النقض من معرفة مكامن الخلل التي قد تشوب الحكم المطعون فيه.

من هنا تتجلى العلاقة الوثيقة بين الطعن بالنقض والالتزام بالتسبيب، وذلك بوصف محكمة النقض بأنها محكمة لا تستطيع تفحص الطعون المقدمة إليها وتحديد نوع الخطأ الذي يشوب الحكم، إلا من خلال رقابتها على عملية تسبيب الحكم الجنائي.

ولأجل الكشف عن طبيعة عملية رقابة محكمة النقض على الأسباب القانونية التي بني عليها الحكم القضائي الصادر جنائيا بين رفض الطعن وقبوله، يتحتم علينا التطرق إلى نطاق سلطة محكمة النقض على رقابة الأسباب القانونية للحكم الجنائي المطلب الأول، ثم التطرق إلى تأسيس قرارها على الأخذ بنظرية العقوبة المبررة المطلب الثاني.

المطلب الأول : نطاق سلطة محكمة النقض على رقابة الأسباب القانونية للحكم الجنائي

حدد المشرع المغربي وظيفة محكمة النقض الأساسية في الرقابة على مدى تطبيق محاكم الموضوع للقانون وصحة الإجراءات التي اتبعتها للبت في الدعوى، وذلك بمقتضى المادة 518 من قانون المسطرة الجنائية التي أكدت على أن محكمة النقض هي التي تتولى النظر في الطعون المتعلقة بالنقض المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الزجرية، وتسهر على التطبيق الصحيح للقانون.

وعليه تعتبر وظيفة محكمة النقض المخولة لها من لدن المشرع المغربي بمثابة الوسيلة التي تكفل سلامة العمل القضائي ودقته وتصحيحه مما قد يشوبه من عيوب وتباعد بينه وبين احتمال الخطأ، وذلك بواسطة إلزام قضاء الموضوع بتسبيب أحكامه بتعليلات تتوفر فيها الشروط القانونية[26].

ومن تم، تتكفل محكمة النقض بواجب الرقابة على صحة الأسباب القانونية للحكم الجنائي باعتبارها أعلى هيئة قضائية في التنظيم القضائي المغربي، وتنحصر مهمتها الأساسية في توحيد الاجتهادات القضائية وذلك من خلال ممارستها للرقابة على الأحكام التي تصل إليها عن طريق الطعن، لأجل التأكد من أنها قد بنيت على إجراءات قانونية صحيحة وصدرت طبقا للقانون.

وتبعا لذلك فرقابة محكمة النقض على الأسباب القانونية هي ليست بالمسألة الاختيارية، وإنما هي التزام قانوني يفرضه المشرع المغربي على عاتف محكمة النقض، ويجد سنده القانوني في المادة 534 من قانون المسطرة الجنائية.

وعليه يشكل التزام محكمة النقض بالرقابة على الأسباب القانونية[27] للحكم الجنائي العامل الرئيسي في وجودها كمؤسسة قانونية من جهة، وهي الوسيلة الأساسية في توحيد القانون بين مختلف المحاكم من جهة أخرى.

والحال أن هذه العملية الرقابية المنصبة على مدى تطبيق قاضي الموضوع للقانون تلزمنا بضرورة التطرق لنقطتين أساسيتين، أولهما تحديد شروط ممارسة محكمة النقض للرقابة على الأحكام القضائية من الناحية القانونية، وثانيهما ذكر أنواع رقابة محكمة النقض على عملية التسبيب القانوني للحكم الجنائي، وكل ذلك سنتناوله عبر احترام التدرج التالي:

الفقرة الأولى : شروط ممارسة محكمة النقض للرقابة على صحة الأحكام القضائية من الناحية القانونية

لا شك أن عملية التكييف القانوني الصحيح للواقعة هو السبيل إلى معرفة مدى التزام محكمة الموضوع بالتطبيق الصحيح للقانون، لأن عملية التكييف القانوني للواقعة هي الكاشف عن مدى احترام قاضي الموضوع لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، على اعتبار أن بيان صحة التكييف ومدى انطباقه على الواقعة لا يتأتى إلا من خلال بيان الأسباب القانونية للحكم الجنائي.

ومن تم فتكييف الواقعة[28] وعناصرها المادية والمعنوية وإدخال العامل الإجرامي المجرد الذي ينطبق عليها، هو ما يعتبر مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض[29].

وعلى هذا النحو، فإذا اعتبرنا أن جوهر الأسباب القانونية يكمن في التكييف القانوني الذي من خلاله يستطيع قاضي الموضوع إضفاء الصفة القانونية على موضوع النزاع، فإن الخطأ فيه يترتب عنه حتما الخطأ في هذا التطبيق دون العكس ، وفي ذلك قضى قضاء النقض[30] ما يلي: "ما دامت المحكمة قد كيفت الأفعال... التكييف القانوني الصحيح، فإن التنصيص على الفصل المطبق على النازلة لا أثر له على صحة قضائها".

وانطلاقا من ذلك لا تقف رقابة محكمة النقض على التكييف على مسائل دون غيرها[31]، وإنما كل مسألة كيفتها محكمة الموضوع تخضع لرقابة محكمة النقض، بحيث أن الرقابة تنصب على تكييف محكمة الموضوع لطلبات الخصوم ودفوعهم، كما تنصب على وقائع الدعوى سواء فيما تعلق بموضوعها أو إجراءاتها، ومثال الأولى تكييف شروط التجريم والعقاب أو موانع العقاب أو أسباب الإباحة، ومثال الثانية هو تكييف إجراء على أنه مجرد دخول منزل أو تفتيش.

ومن جانب آخر قد تبسط محكمة النقض رقابتها على تكييف[32] واقعة طبيعية ترتب آثارا قانونية ومثالها تكييف حالة واقعية على أنها حالة جنون تنفي مسؤولية الجاني، كما قد تبسط محكمة النقض رقابتها على تكييف واقعة إرادية ومثالها وصف إجراء بأنه ترك للخصومة.

وعلى نحو آخر يمكن لمحكمة النقض أن تبسط رقابتها على تكييف الجريمة ذاتها، وما إذا كانت تعد مخالفة أو جنحة أو جناية.

وهكذا، فإن وقع الخطأ في التكييف فإن محكمة النقض تكتفي[33] بنقض الحكم مع إحالته على هيئة قضائية غير التي أصدرته سواء في نفس المحكمة المصدرة له أو في محكمة أخرى دون تصحيحه.

على هذا الأساس فلا جدل في أن رقابة محكمة النقض تهدف إلى حسن تطبيق القانون وإقرار مبدأ الشرعية، لأن الخطأ في التكييف يهدد مبدأ الشرعية الجنائية ويؤدي إلى إهداره، كما أن الخطأ في التكييف قد يؤدي إلى خلق جرائم لم يعرفها المشرع[34]، وبالتالي فالأساس من رقابة محكمة النقض على التكييف يرجع إلى الالتزام بمبدأ الشرعية وضرورة المحافظة عليه.

والواقع أن التزام محكمة النقض ببسط رقابتها على الأسباب القانونية يمتد إلى مراقبة محكمة الموضوع فيما إذا كانت قد بينت النص القانوني الذي طبقته على الوقائع المادية التي أضفى عليها التكييف الصفة القانونية.

وعليه، فرقابة محكمة النقض لعملية التكييف لا تقتصر فقط على معرفة الوقائع التي أضفت عليها الصفة القانونية، وإنما تمتد هذه الرقابة إلى حدود معرفة النص القانوني المطبق على هذه الوقائع، وإذا ما كان هناك ترابط بين الأمرين، فيما إذا كانت هناك علاقة إثبات أو نفي أو علاقة تلازم أو تنافي.

وتبعا لذلك فشرط بيان الأسباب القانونية الذي ألزم به المشرع محكمة الموضوع هو الذي يخول لمحكمة النقض بسط رقابتها فيما إذا كانت محكمة الموضوع قد طبقت القانون تطبيقا يحمي الحكم الذي أصدرته من البطلان أم لا، وفيما إذا كانت قد تفادت التناقض بين التسبيب الواقعي والقانوني.

وفي ذلك قضى قضاء النقض بالقول: "أن المحكمة طبقت النص المومأ إليه تطبيقا خاطئا، ونسبت إلى الطاعن قيامه بجريمة إخفاء المسروق مع أن العنصر الأساسي الذي فرضه المشرع وهو عنصر العلم في هذا الفعل لا وجود لما يثبته"[35].

الفقرة الثانية : أنواع رقابة محكمة النقض على عملية التسبيب القانوني للحكم الجنائي:

يتخذ شكل رقابة محكمة النقض لعملية بيان الأسباب القانونية في الحكم الجنائي من لدن محكمة الموضوع إحدى الصورتين، فهي إما رقابة لنقصان التعليل أو بسبب التطبيق الخاطئ للنص القانوني من طرف محكمة الموضوع.

وعلى هذا النحو فرقابة محكمة النقص على الأسباب القانونية للحكم الجنائي تقوم على جانبين اثنين، أولهما الرقابة القانونية، وثانيهما الرقابة المادية على صحة الحكم الجنائي، ولأجل تحليل شكل هذه الرقابة فإننا سنحاول التطرق إلى ما يلي:

أولا : الرقابة القانونية :

وهي رقابة تتعلق بعملية تعليل الحكم من لدن محكمة الموضوع، فيكمن دور محكمة النقض من خلالها في التأكد من صحة عملية التسبيب فيما إن كان قاضي الموضوع قد علل حكمه تعليلا كافيا من الناحية القانونية أم لا.

وعليه فتأكد محكمة النقض من صحة عملية تسبيب الحكم الجنائي من جانبه القانوني لا يتحقق إلا من خلال تأكد محكمة النقض من أن محكمة الموضوع قد ذكرت النص القانوني الذي كشفت عليه عملية التكييف[36].

ثانيا : الرقابة المادية :

تعتبر الرقابة المادية التي تقوم بها محكمة القانون في كونها رقابة تصحيحية، وتمتاز حسب جانب من الفقه القانوني[37] بأن محكمة النقض تعمل من خلالها على رقابة الأسباب القانونية فقط دون غيرها من الأسباب الواقعية، فتعمل على تصحيح الأحكام المطعون فيها من الأخطاء المادية أو القانونية التي تجعل من الأسباب القانونية معيبة، وذلك بإضافة محكمة النقض لما تراه زائدا أو غير زائد من النصوص القانونية الواجبة التطبيق.

ومن جانب آخر إذا تأكدت محكمة النقض من أن الحكم الجنائي قد اعترته شائبة الخطأ في الوصف القانوني للواقعة، فإنها تلتزم[38] بالإشارة إلى الخطأ في هذا الوصف، ومن تم وجب عليها أن توضح النص القانوني الذي يلزم تطبيقه من لدن محكمة الموضوع.

وتبعا لكل هذه الاعتبارات، فرقابة محكمة النقض القائمة على أساس ما يعرف بالرقابة المادية يكون المقصد منه إما تأييد الحكم دون نقضه، أو نقضه مع الإشارة إلى النقطة التي يجب البت فيها من طرف المحكمة المحال عليها الحكم المطعون فيه.

المطلب الثاني : تأسيس قرار محكمة النقض على نظرية العقوبة المبررة

حقيقة أن الخوض في مضمون نظرية العقوبة المبررة يدفعنا إلى ضرورة التطرق إليها عبر جانبين، أولهما الأساس القانوني لأخذ محكمة النقض بنظرية العقوبة المبررة، وثانيهما تحديد شروط تطبيق هذه النظرية.

الفقرة الأولى : الأساس القانوني لأخذ محكمة النقض بنظرية العقوبة المبررة

درج قضاء النقض المغربي على الأخذ بجميع تطبيقات نظرية العقوبة المبررة منذ النصف الأول من القرن الماضي، على الرغم من عدم وجود نص تشريعي أنذاك، وهو الأمر الذي كان يستتبعه استعمال عبارات عامة من قبيل[39] "أن المصلحة من الطعن منتفية"، أو "بأنه لا جدوى من الطعن"، أو "بعدم قبوله"، أو "عدم جوازه"، أو "رفضه"، أو "أن الخطأ ليس من شأنه الإخلال بالحكم"...، وفي ذلك قضى المجلس الأعلى سابقا في قرار له بالقول[40]: "لكن حيث إن هذا الخطأ في الإشارة إلى النص القانوني ليس من شأنه أن يخل بالحكم المطعون فيه والحال أن العقوبة المنصوص عليها في 13 يناير 1951 هي أشد من التي يتضمنها النص الذي طبقته المحكمة وأن الجريمة المقترفة تستحق العقوبة المحكوم بها".

والحال أنه مع صدور قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 الذي تضمن بمقتضى المادة 589 نصا صريحا يقضي بتبرير العقوبة المبررة، فهو الأمر الذي أدى بقضاء النقض إلى استعمال تعبير "العقوبة المبررة" بدل عبارات عامة، وفي ذلك قضى المجلس الأعلى سابقا[41] بالقول: "... حيث إن الحكم المطعون فيه لم يعلل تعليلا كافيا مؤاخذة الطاعن بالمشاركة في السرقة.

لكن حيث إنه بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 589 من قانون المسطرة الجنائية فإنه إذا وجد في أحد وجوه التهمة ما يبرر العقوبة الصادرة فلا يمكن إبطال الحكم غير أن قاضي النقض يصرح إذ ذاك بأن العقوبة المنصوص عليها في الحكم لا تنطبق إلا على وجه التهمة الذي ثبت بوجه قانوني من بين وجوه التهم الأخرى.

وحيث إن الحكم فيما عدا ذلك سالم من كل عيب شكلي وأن الأحداث التي صرحت المحكمة بثبوتها بما لها من سلطان ينطبق عليها الوصف القانوني المأخوذ به كما أنها تبرر العقوبة المحكوم بها".

وبعد التعديل التشريعي لقانون المسطرة الجنائية لسنة 2003، توسع المشرع المغربي في مفهوم نظرية العقوبة المبررة فشملت بالإضافة إلى الخطأ في الإشارة إلى النص القانوني، حالة الخطأ في التكييف، وحالة الخطأ في عدد التهم وذلك بالإشارة إلى هذه الحالات الثلاث في مادة واحدة وهي المادة 537 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت بالقول على ما يلي: "إذا كانت العقوبة المحكوم بها هي نفس العقوبة المقررة في النص الذي ينطبق على الجريمة المرتكبة، فلا يمكن لأي كان أن يطلب إبطال المقرر بدعوى وجود خطأ في التكييف الذي أعطي للجريمة في المقرر المذكور، أو في نصوص القانون التي أشار إليها المقرر ما لم يترتب عن ذلك التكييف ضرر للطالب.

وإذا وجد في إحدى التهم ما يبرر العقوبة الصادرة فلا يمكن إبطال الحكم، غير أن المجلس الأعلى يصرح في هذه الحالة بأن العقوبة المنصوص عليها في المقرر المطعون فيه لا تنطبق إلا على التهمة التي تثبت قانونيا من بين التهم الأخرى".

وبالتالي صاحب هذا القانون تطبيق هذه النظرية من لدن قضاء النقض المغربي حيث أكد بخصوص الحالة الأولى المتمثلة في حالة الخطأ في الإشارة إلى النص القانوني الواجب التطبيق عند تعرضه لذلك في الدعوى الجنائية بالقول في قرار[42] له: "وحيث إن ما قام به الطاعن وثبت في حقه بجنحة إزالة حدود بين عقارين وهي الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 606 من القانون الجنائي، وأن الفصل 570 من نفس القانون إنما أوردته المحكمة غلطا، وأن الذي ينطبق على النازلة هو الفصل 606 المشار عليه أعلاه، لكن بما أن العقوبة المحكوم بها وهي شهرين اثنين هي نفس العقوبة المقررة في الفصل 606 المذكور، فإنها تبقى مقررة طبقا للفقرة الأولى من المادة 537 من قانون المسطرة الجنائية وبالتالي ما جاء في الوسيلة غير مؤسس".

أما بخصوص الحالة الثانية المتمثلة في حالة الخطأ في التكييف القانوني فقد أقر قضاء النقض المغربي[43] بما يلي: "...وحيث إنه من جهة ثانية فإن المحكمة المطعون في قرارها لئن لم تبرر عناصر جريمة النصب فإنها لما أدانت الطاعنة من أجل جريمة تسهيل خروج المغاربة بصفة سرية من التراب الوطني اعتمادا على ما سبق الإشارة إليه أعلاه وهي الجريمة الأشد فإن العقوبة المحكوم بها تبقى مبررة طبقا للمادة 537 من قانون المسطرة الجنائية ولا ينطبق إلا على ما ثبت بوجه صحيح وتكون بذلك عللت قرارها تعليلا كافيا وسليما وتبقى الوسيلتان والفرع المذكور على غير أساس". 

في حين تعرض قضاء النقض المغربي للحالة الثالثة المتعلقة بحالة تعدد التهم في عدة قضايا نذكر منها ما جاء على قول قضاء النقض في قرار عدد 1098/6 بالقول: "حيث أنه بمقتضى المادة 537 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية التي تنص على أنه إذا وجد في إحدى التهم ما يبرر العقوبة الصادرة فلا يمكن إبطال الحكم، غير أن المجلس الأعلى يصرح في هذه الحالة بأن العقوبة المنصوص عليها في القرار المطعون فيه لا تنطبق إلا على التهمة التي تثبت قانونا من بين التهم الأخرى، وبذلك فإن المحكمة إن لم تكن قد أبرزت عناصر جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير فإن العقوبة المحكوم بها على الطاعن تعتبر مبررة من الناحية القانونية لكونه أدين من أجل جنحة التهديد طبقا للفصل 429 من القانون الجنائي والتي تنتقدها الوسيلة فإنه لا يتأتى إبطال القرار المطعون فيه لما سبق ذكره مما يجعل الوسيلة والحالة هاته غير مرتكزة على أساس"[44].

الفقرة الثانية : شروط تطبيق محكمة النقض نظرية العقوبة المبررة

الحاصل من خلال نظرية العقوبة المبررة هو أنه لا مجال للحديث عن تطبيق هذه النظرية بالنسبة لمحاكم الموضوع، لأن نظرية العقوبة المبررة هي مرتبطة حصرا بمحكمة النقض، ثم أنه لا يمكن تطبيق هذه النظرية إلا بواسطة الحكم الصادر بالإدانة، وعلى أن يكون الخطأ الذي شاب الحكم المطعون فيه يفترض فيه أن تتساوى العقوبة المحكوم بها مع العقوبة الواجبة التطبيق.

وعلى هذا النحو، يتبين على أن تطبيق نظرية العقوبة المبررة رهين بتوافر شروط معينة، وهذه الشروط هي كالآتي:

أولا : أن يتم الطعن بالنقض :

يدور هذا الشرط وجودا وعدما بعرض القضية أمام محكمة النقض بواسطة الطعن بالنقض في الحكم الجنائي، وفي ذلك نص المشرع المغربي في المادة 537 من قانون المسطرة الجنائية ضمن الفرع الثاني من الباب الثاني من القسم الأول المتعلق بالنقض على القول: "... غير أن محكمة النقض تصرح في هذه الحالة بأن العقوبة المنصوص عليها في المقرر المطعون فيه لا تنطبق إلا على التهمة التي تثبت قانونا من بين التهم الأخرى".

ثانيا : أن يكون الحكم صادرا بالإدانة :

يفترض في هذا الشرط أن يكون مجال تطبيق هذه النظرية مرتبطا أساسا بالعقوبة، لذا كان من البديهي أن يشترط لصحة تطبيق نظرية العقوبة المبررة أن يكون الحكم الجنائي المطعون فيه صادرا بالإدانة[45].

وبذلك يستوي في هذا الصدد جميع أنواع العقوبات التي يتضمنها الحكم المطعون فيه، سواء كانت عقوبة أصلية أو عقوبة تبعية أو تكميلية، وسواء كانت عقوبة بدنية أو سالبة للحرية أو مالية، أو كانت مما يدخل في إطار العقوبة بمعناها التقليدي أو في إطار بدائل العقوبة التقليدية.

أما تطبيق نظرية العقوبة المبررة فيما يتعلق بالتعويض في إطار الدعوى المدنية التابعة، فإن الفقيه أحمد فتحي سرور اعتبر أن[46]: "التعويضات المدنية التابعة تتقرر على ضوء الخطأ المنسوب إلى المتهم وما يترتب عنه من ضرر، ومن ثم إذا حكم على المتهم بالتعويض عن تهمتي القذف والبلاغ الكاذب فطعن هذا الحكم بالنسبة إلى تهمة القذف وحدها، فإنه لا محل لتطبيق نظرية العقوبة المبررة على التعويض المحكوم به، بل يقتصر انطباقها على العقوبة المحكوم بها في الدعوى الجنائية".

ثالثا : أن يكون الخطأ غير مؤثر في تقدير العقوبة :

وقوام هذا الشرط هو أن يكون هناك تساو وتماثل بين العقوبة الصادرة عن خطأ والعقوبة الواجبة التطبيق، وبذلك فهذا الشرط يعد بمثابة الخاصية الذاتية لنظرية العقوبة المبررة، بحيث أنه لا يعتبر مجرد تمحيص في مدى تحقق إحدى شروط نظرية العقوبة المبررة، وإنما هو بمثابة عنصر أساسي لحصر نطاق العقوبة المبررة.

رابعا : أن يكون الحكم قد لحق به عيب مخالف للقانون أو خطأ في ذكر نصوصه:

يستفاد من المادة 537 من ق.م.ج على أن صورة نظرية العقوبة المبررة تنصرف إلى ثلاث حالات هي كالآتي:

 – الخطأ في ذكر النص القانوني : ومعناه إعطاء الواقعة موضوع الحكم المطعون فيه بالنقض تكييفا صحيحا، غير أنه قد يتسرب للحكم خطأ مادي متعلق بالإشارة إلى فصل قانوني خاطئ أو إغفال الإشارة إلى النص.

وفي هذا النطاق تقتضي نظرية العقوبة المبررة المنصوص عليها في إطار المادة 537 من ق.م.ج بأن حالة الطعن بالنقض عند تحقق الخطأ المادي في ذكر النص القانوني المبنية على تكييف قانوني سليم هو طعن لا يعيب الحكم، لأن فرض صحة الإشارة إلى النص المعاقب على أساسه لا يؤثر على العقوبة، ومن ثم يكون ذلك مجرد خطأ مادي تصححه محكمة النقض دون الحاجة لنقض القرار والإحالة[47].

 – الخطأ في التكييف : يقصد بالخطأ في التكييف الذي يشكل حالة من حالات تطبيق نظرية العقوبة المبررة المنصوص عليها في المادة 537 من ق.م.ج عدم تمكن القاضي من الإمساك بالعلاقة الصحيحة التي تربط بين الوقائع والقانون.

والحال أنه عملا بمقتضيات المادة 537 من ق.م.ج فإن محكمة النقض ترفض طلب الطعن بالنقض إذا كان الوصف الثابت لمحكمة الموضوع يبرر العقوبة المحكوم بها رغم وجود خطأ في هذا الوصف، فتقضي برفض طلب الطعن بالنقض طالما أن العقوبة المقضي بها نتيجة للتكييف الخاطئ هي نفسها العقوبة المقررة في التكييف الصحيح[48].

 – الخطأ في عدد التهم : ومفاده أنه قد يتبين لمحكمة النقض أن خطأ الحكم المطعون فيه بالنقض قد صدر بعقوبة واحدة عن تهم متعددة، ثم يتضح لمحكمة النقض أن أحد هذه التهم أو بعضها غير ثابت ومع ذلك تبقي على العقوبة المحكوم بها على مجموع التهم بدعوى أنها مستحقة بموجب ثبوت إحداها فقط[49].

وتبعا لذلك يتبين أن عمل محكمة النقض بنظرية العقوبة المبررة عن الخطأ في تعدد التهم هو راجع إلى نص المادة 537 من ق.م.ج التي نصت بالقول على أنه: "إذا وجد في إحدى التهم ما يبرر العقوبة الصادرة فلا يمكن إبطال الحكم، غير أن محكمة النقض تصرح في هذه الحالة بأن العقوبة المنصوص عليها في المقرر المطعون فيه لا تنطبق إلا على التهمة التي ثبتت قانونيا من بين التهم الأخرى".

خاتمة :

هكذا يمكن القول أن موضوع رقابة محكمة النقض على أسباب الحكم الجنائي قد حظي بأهمية بالغة من لدن المختصين في الفقه القانوني، على اعتبار أن دور محكمة النقض في نظر الفقهاء لا يقتصر فقط على مراقبتها لمدى تطبيق القانون من جانب محاكم الموضوع، وإنما يتسع هذا الدور ليمتد إلى أسباب الحكم بشقيه القانوني والواقعي، مع التحفظ على نطاق تدخل محكمة النقض في الأسباب الواقعية للحكم الجنائي.

ومن تم تبقى عملية تسبيب الحكم القضائي الوسيلة القانونية التي تتيح لمحكمة النقض التأكد من مدى مطابقة محاكم الموضوع للحقيقة الواقعية مع الحقيقة القضائية.

 

 


 



[1] في ذلك نص المشرع الجنائي المغربي في المادة 518 من ق.م.ج بالقول: "تسهر على التطبيق الصحيح للقانون، وتعمل على توحيد الاجتهاد القضائي".

[2]الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، مقال إلكتروني تحت عنوان "الاقتناع الصميم للقاضي الجنائي وسؤال العدالة الجنائية"، للباحث القانوني: عمر بنسعيد، بتاريخ 25 ماي 2020، منشور بالموقع الإلكتروني التالي:

https://www.aljami3a.com/461/461%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D9%88%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84/

[3]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، الطبعة الثانية 2006، الصفحة 80.

[4]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 82.

[5]نجيب الطالبي، الاقتناع الصميم للقاضي الزجري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2008/2009، الصفحة 59.

[6]محمد علي سالم عياد الحلبي، حرية القاضي الجنائي في الاقتناع الذاتي في القوانين: مصر والأردن والكويت، مجلة الحقوق، العدد الثالث، السنة الحادية والثلاثون، الصفحة 347.

[7]رؤوف عبيد، ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية وأوامر التصرف في التحقيق "مع تحليل موقفها من الإجراءات والدفوع ومن رقابة محكمة النقض، الطبعة الثالثة دار الدليل للطباعة، طبعة 1986، الصفحة 106.

 [8]رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 446.

 [9]أما القول بتوافر أي ظرف مشدد للجريمة فإنه يخضع أيضا لتقدير محكمة الموضوع متى استنتجته استنتاجا سائغا.

 [10]رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 338.

 [11]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 83.

 [12]نجيب الطالبي، الاقتناع الصميم للقاضي الزجري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، مرجع سابق، الصفحة 67.

[13] رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 462.

[14] قرار عدد 723 بتاريخ 20 ماي 1976 في الملف الجنحي عدد 636/74، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى، الجزء الأول، الصفحة 150.

[15]قرار عدد 71 الصادر بتاريخ 11/01/1999، أورده: عبد الحي وردي، تعليل الأحكام الجنائية ومتطلبات الأمن القضائي، الطبعة الأولى 2021، الصفحة 424.

[16]رؤوف عبيد، مرجع سابقن الصفحة 500.

[17]عبد الحي وردي، تعليل الأحكام الجنائية ومتطلبات الأمن القضائي، مرجع سابق،  الصفحة 425.

[18]قرار عدد 444 بتاريخ 31/03/1977، في الملف الجنحي عدد 37410، أورده عبد الحي وردي، تعليل الأحكام الجنائية ومتطلبات الأمن القضائي، مرجع سابق، الصفحة 426.

[19]رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 513.

[20]Pierre de chauveron: du pouvoir de contrôle de la cour de cassation sur la qualification criminelle, 1908, p 90.

[21]عبد الحي وردي، تعليل الأحكام الجنائية ومتطلبات الأمن القضائي، مرجع سابق، الصفحة 427.

[22]قرار عدد 373، الصادر بتاريخ 12/07/1959، في ملف جنحي عدد 2794، أورده عبد الحي وردي، تعليل الأحكام الجنائية ومتطلبات الأمن القضائي، مرجع سابق، الصفحة 428.

[23] تعني قاعدة تساند الأدلة الجنائية على أن الأدلة في المادة الجنائية متساندة ومترابطة، وتنصرف إلى كل الأدلة المطروحة في الدعوى الجنائية والتي تكون منها المحكمة اقتناعها وتؤدي في النهاية إلى ما قصده الحكم الجنائي في الدعوى، عبد العالي كابر، تساند أدلة الإثبات في قانون المسطرة الجنائية، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر العلوم الجنائية والدراسات الأمنية، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2019/2020، الصفحة 24.

[24]مقال تحت عنوان: تساند الأدلة في الدعوى الجنائية، للباحث يوسف كاصد عطية، معهد العلمين للدراسات العليا، منشور في الموقع الإلكتروني التالي: https://www.lawarab.com/2019/05/blogpost16.html

[25]رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 534.

[26]محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة: محاولة في التأصيل وفق أحكام التشريع وآراء الفقه، الوقوف على التطبيقات النظرية ضمن قرارات قضاء النقض المغربي والمقارن، تحديد الجوانب والآثار الناتجة عن تطبيق النظرية، مطبعة الأمنية بالرباط، طبعة 2021، الصفحة 189.

[27]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 94.

[28]علي محمود علي حمودة، النظرية العامة في تسبيب الحكم الجنائي في مراحله المختلف دراسة مقارنة الطبعة الأولى 1414ه 1994م، الصفحة 364.

[29]يرى فريق من الفقه القانوني على أن رقابة محكمة النقض على التكييف ليست مطلقة بل محددة في نطاق معين، وذهب في هذا الصدد الفقيه barris إلى أن رقابة محكمة النقض على التكييف قاصرة على المسائل التي يورد لها المشرع مفهوما أو تحديدا معينا، أما تلك التي لم يحدد المشرع معناها فإنها تخرج عن نطاق الرقابة على التكييف باعتبارها من المسائل التي تخضع لسلطة قاضي الموضوع المطلقة.

ومن جانب آخر ذهب الفقيه chenon إلى أن محكمة النقض تقف عند حدود التكييف الذي يتطلب تقديرا قانونيا وهو التكييف الذي يدور في صدد وقائع تستمد وجودها من مجرد حدوثها، كتكييف واقعة بأنها تبديد وليست سرقة أو نصبا، أما التكييف المادي أو الأدبي فهو لا يخضع لرقابة محكمة النقض، وهذا هو التكييف الذي يدور في شأن وقائع لا تستمد وجودها من مجرد حدوثها، بل يتعين لتقدير وجودها تدخل القاضي بشعور وأحاسيس حيالها، ومثال ذلك التشهير في النشر والصحافة.

أما الفقيه cournot فاعتبر أن التقدير المنطقي هو الذي يخضع لرقابة محكمة النقض ويدور حول المسائل التي يتحقق وجودها في ضوء الاعتبارات المنطقية دون أن يكون لشعور القاضي أي دور في وجودها، أما التكييف الذي يدور حول مسائل تتعلق بتقدير القاضي وشعوره فهو لا يخضع لرقابة محكمة النقض.

في حين ذهب الأستاذ broe و الأستاذ upin إلى أن محكمة النقض تراقب تكييف المسائل المعقدة دون التكييفات الخاصة بالمسائل البسيطة.

كما نادى الفقيهان boyart  و P.Neu بأن محكمة النقض تراقب التكييف العام وهو الذي يرتبط بمركز ذاتي يمكن من أن يثور مستقبلا في شأن حالات مماثلة، أما التكييفات الخاصة فإنها لا تخضع لرقابة محكمة النقض، وهذه هي التكييفات التي تتناول واقعة معينة دون أن يتعدى أثرها ذلك.

وفي المقابل ذهب جانب من الفقه القانوني الفرنسي إلى أن التكييف هو عملية قانونية يترتب على أي خطأ فيها مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه، ومن ثم فإنه يخضع في كل الحالات لرقابة محكمة النقض ولا يتمتع قاضي الموضوع في صدده بأي سلطة مطلقة، أنظر: محمد علي الكيك، أصول تسبيب الأحكام الجنائية، مطبعة الإسكندرية، تلغراف 38127955، الصفحة 71.

[30]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 95.

[31]أحمد فتحي السرور، الوسيط في الإجراءات الجنائية، الجزء الثالث، طبعة 1980، الصفحة 255.

[32]محمد علي الكيك، أصول تسبيب الأحكام الجنائية في ضوء الفقه والقضاء، طبعة 1988، الصفحة 71.

[33]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 99.

[34]محمد علي الكيك، أصول تسبيب الأحكام الجنائية، مرجع سابق، الصفحة 70.

[35]قرار عدد 7731، أشار إليه الدكتور محمد التغدويني، في كتابه النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 97.

[36]ممحمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 99.

[37] نوه الدكتور محمد التغدويني إلى القول وهو بصدد التطرق لمضمون الرقابة التصحيحية إلى ما يلي: "تبدو رقابة التصحيح، في المادة الجنائية أكثر أهمية من المادة المدنية، ولهذا السبب فنحن نرى أن المجلس الأعلى إذا تبين له من الحكم المطعون فيه أن الوقائع التي انتهى قاضي الموضوع إلى إثباتها لا تتوفر بشأنها العناصر القانونية للجريمة المحكوم فيها يجب عليه أن يقضي ببراءة المتهم، والعكس صحيح في حالة الحكم بهذه البراءة وكان الوصف القانوني المعطى لواقع الدعوى يقتضي الإدانة. وكذلك إذا تبين لهذا المجلس أن الحكم المطعون فيه، فيه اشارة إلى ما يفيد توفر إحدى أسباب انقضاء الدعوى، أو سقوط الجريمة، فعليه أن يقضي بهذا الانقضاء أو سقوط دون نقض هذا الحكم، أنظر: محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 99.

[38]محمد التغدويني، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية، مرجع سابق، الصفحة 100.

[39]محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة، مرجع سابق، الصفحة 24.

[40] قرار عدد 323، جلسة 23 مارس 1959 القضية عدد 1727، قرار أورده محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة، مرجع سابق، الصفحة 25.

[41]قرار المجلس الأعلى سابقا محكم النقض حاليا عدد 513 الصادر بتاريخ 21 أبريل 1966، قرار أورده الأستاذ محمد الحمياني، مرجع سابق، الصفحة 25.

[42]قرار عدد 918/6 المؤرخ في 9/5/2012 في ملف جنحي عدد 15903/2011، قرار أورده الأستاذ محمد الحمياني، مرجع سابق، الصفحة 28.

[43]قرار عدد 433/3 المؤرخ في 20/03/2013 في ملف جنحي عدد 14469/6/3/2012 قرار أورده الأستاذ محمد الحمياني، مرجع سابق، الصفحة 29.

[44]المؤرخ بتاريخ 13/6/2012 في ملف جنحي عدد 3004/2012، قرار أورده الأستاذ محمد الحمياني، مرجع سابق، الصفحة 31.

 

[45]عادل امحاول، رقابة محكمة النقض على تعليل المقررات الجنائية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر القانون الإجرائي وطرق تنفيذ الأحكام، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2018/2019، الصفحة 64.

[46]محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة، الصفحة 44.

[47]رؤوف عبيد، مرجع سابق، الصفحة 589.

[48]محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة، الصفحة 58.

[49]محمد الحمياني، نظرية العقوبة المبررة، الصفحة 67.