المسؤولية المدنية لمحرري العقود الثابتة التاريخ

 

المسؤولية المدنية لمحرري العقود الثابتة التاريخ

 

دة. سارة أزواغ

باحثة في الشؤون القانونية

 

إن أي تصرف ينصب على الملكية العقارية في مجملها، لا يمكن القول بنفاذه إلا إذا أفرغ في الشكل المحدد قانونا، حيث يتم توثيق التصرفات العقارية إما في محرر رسمي أو في محرر ثابت التاريخ الذي يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وفقا للشروط التي يتطلبها القانون[1]، وذلك حرصا منه على استقرار المعاملات بين الناس وتلافي حدوث نزاعات بشأنها.

فقد أوكل المشرع إمكانية توثيق التصرفات العقارية إضافة إلى السادة العدول والموثقين، المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض، إلا أنه لم يتبع هذا التمكين بتحديد المسؤولية التي قد تترتب عند إخلالهم بواجباتهم المهنية إتجاه المتعاقدين، فقد تكون جنائية، وقد تكون تأديبية، كما قد تكون مدنية، جراء الضرر الذي قد يصيبهم، وتعويضهم عما لحقهم من خسارة وما فاتهم من كسب.

 ففي ظل غياب أية ضمانات حمائية للزبناء فقد يثار التساؤل في هذا الخصوص حول المسؤولية الملقاة على المحامي تجاه العقود الثابتة التاريخ التي أوكلت له مهمة تحريرها؟ وما الضمانات الحمائية للزبناء من التقصير والإهمال الذي قد يصدر عن المحامي بشأن توثيق التصرفات العقارية؟

للإجابة عن ذلك، سنحاول اتباع التقسيمين الآتيين:

المطلب الأول: التأصيل القانوني للمسؤولية المدنية لمحرري الوثائق الثابتة التاريخ.

المطلب الثاني: تحقق المسؤولية المدنية لمحرري الوثائق الثابتة التاريخ.

المطلب الأول: التأصيل القانوني للمسؤولية المدنية لمحرري الوثائق الثابتة التاريخ.

تكتسي عملية تحرير العقود المتعلقة بالتصرفات العقارية أهمية بالغة بالنظر إلى دورها في إثبات تلك التصرفات، كما أنها قد تشكل أداة لتسهيل التداول العقاري، وبالتالي فنجاح هذه العملية رهين بمدى ضمان استقرار المعاملات ونجاعتها في تحديد الإلتزامات ووضوحها ودقتها.

ولاشك أن القانون المغربي يسير على نهج تعميم رسمية التصرفات العقارية قصد الحد من المحررات العرفية قدر الإمكان في المجال العقاري خاصة، وهو ما اقتضى منه وضع قيود وضوابط تخص التصرفات الواردة على العقار، حيث عمل على حصول ذلك في الجهات المؤهلة لإبرام التصرفات المتمثلة في الموثقين العصريين والعدول بالنسبة للمحررات الرسمية وعلى المحاميين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض في المحررات الثابتة التاريخ، مالم يوجد نص خاص يخالف ذلك.

الفقرة الأولى: المنطلق القانوني للمسؤولية المدنية لمحرري العقود الثابتة التاريخ.

تعتبر مؤسسة المحامي، مؤسسة ذات طابع قضائي متمثل في مهمة الدفاع على أطراف الدعوى القضائية، إلا أن المشرع قد أوجد له مهاما أخرى لا تقل أهمية وصعوبة عن مهمة الدفاع، وهي مهمة تحرير العقود المنصبة على التصرفات العقارية، فالمبدأ العام حسب المادة 4 من مدونة الحقوق العينية[2]، أنه يتم الإختيار في توثيق التصرفات العقارية بين المحررات الرسمية والمحررات الثابتة التاريخ، غير أنه وبالنظر إلى الطبيعة الخاصة التي تميز المحرر الثابت التاريخ، فقد عمد المشرع على تنظيم هذا النوع من العقود من خلال ضرورة أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط والشكليات اللازمة لتحريره وهي كالآتي:

الشرط الأول: أن تكون هذه المحررات ثابتة التاريخ، بحيث لا يكون معها تاريخ هذا العقد ثابتا إلا بتحقق إجراءات معينة واردة في الفصل 425 من ق. ل. ع. [3]

 _ الشرط الثاني: أن تحرر من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض طبعا للمادة 4 من مدونة الحقوق العينينة.

في حين أن المادة 30 من القانون رقم 28.08  المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة نجدها تنص على أنه:

" يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة، مع مراعاة الإستثناء المنصوص عليه في المادة الثالثة والعشرين أعلاه، من غير الإدلاء بوكالة.

تشمل هذه المهام:

6_ تحرير العقود، غير أنه يمنع على المحامي الذي حرر العقد أن يمثل أحد طرفيه في حالة حدوث نزاع بينهما بسبب هذا العقد.. ".

فالمشرع عندما خول للمحامي مهمة تحرير المعاملات العقارية والعقود، هذه المهمة لم تأتي من فراغ، إنما استحضر أمامه تراكم التجارب والخبرات التي اكتسبها المحامي على المستويين العلمي والنظري، فأصبح بإمكانه تحرير عقود ثابتة التاريخ والتي لها من الحجية ما لمثيلتها الرسمية.

ولما كان القانون رقم 32.09[4] المنظم لمهنة التوثيق صريحا بقرير مسؤولية الموثق المدنية في حالة إخلاله بالتزاماته المهنية، وذلك من خلال المادة 28 التي جاء فيها أنه: " يسأل الموثق مدنيا إذا قضت المحكمة ببطلان عقد أنجزه بسبب خطئه المهني"، فهذه الصراحة افتقدت على المستوى القانون رقم 28.08 حيث خصت المادة 61 بالمسؤولية الأدبية والمادة 65 منه بالمسؤولية الجنائية، في حين أنه لا يوجد أي تحديد للإلتزام ومسؤولية المحامي تجاه هذه العقود، بالإضافة إلى غياب أي ضمانات حمائية للزبناء، وإلى حد الآن ليس هنالك أي تعديل تشريعي بخصوص ذلك في القانون المنظم لمهنة المحاماة يواكب هذه التصرفات العقارية، فاحتمالية وجود الخطأ المرتكب من طرفه في العقد أمر وارد، مهما كانت درجة كفاءة المحامي ومهما كانت مسألة الحذر متوخاة عن ممارسته مهمة التحرير.

فالمشرع المغربي لم يعمد تحديد إلتزامات المحاميين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض إلتزاماتهم تجاه زبنائهم سواء من حيث إسداء النصح لهم أو من حيث التحقق من صفتهم وأهليتهم للتصرف وكذا التحقق من وضعية العقار تحت مسؤوليته الشخصية[5]، والتي تبقى متروكة للمحافظ العقاري الذي يتأكد بموجب الفصل 73 من قانون التحفيظ العقاري من هوية كل طرف وصفته وأهليتة محققة إستنادا إلى كون التوقيعات الموضوعة بالطلب وبالعقود المدلى بها مصادق عليها من طرف السلطات المختصة[6].

ولعل أهم ما يمكن الإستناد إليه في تقرير المنطلق الأساسي لمسؤولية المحامي باعتباره محررا للعقود الثابتة التاريخ ، المادة الثالثة من القانون رقم 28.08 والتي نصت على أنه:" يتقيد المحامي في سلوكه المهني بمبادئ الإستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة والأعراف وتقاليد المهنة".

مادام أن المشرع إستعمل عبارات فضفاضة وعامة في مضمون هذه المادة قد تقاس عليها إسقاط المسؤولية المدنية للمحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض تجاه زبناءهم.

وانسجاما مع مقتضيات أحكام المادة 4 من مدونة الحقوق العينية فقد تم تعديل المادة 12 من القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 106.12 وأيضا القانون رقم 107.12 والمغير والمتمم للقانون 44.00 بخصوص إبرام عقد البيع الإبتدائي والنهائي، والذي سمح للأطراف بتحرير عقودهم في محررات ثابتة التاريخ، ولم يقتصر الأمر على العقد الرسمي فقط[7]، شريطة الإشهاد على صحة الإمضاءات، وذلك بالتعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها في سجل خاص يحدد بمقتضى قرار لوزير العدل.

الفقرة الثانية: إلتزامات محرري العقود الثابتة التاريخ

 إن عدم صراحة المشرع في مخاطبة المحامي أثناء ممارسته لمهمة توثيق العقود، لا يمنع من إسقاط بعض الإلتزامات الواردة في القانون على مهمة تحرير العقود الثابتة التاريخ والتأسيس من خلالها لمسؤولية المحامي في حالة التقصير.

فالمحامي يلتزم بإلتزامات عامة فرضتها قواعد مهنته، وإلتزامات فرضتها ميدان تحرير العقود، وبذلك وجب على المحامي ألا يخالف القواعد المهنية التي تتطلبها مهنة المحاماة، سواء إنتصب للدفاع عن موكله أو قام بتحرير عقد بين بين المتعاقدين.

ومن أهم الواجبات الملقاة على عاتق المحامي والمفروضة قانونا، متمثلة في واجب النصح والإرشاد طبقا لمقتضيات المادة 30 من القانون رقم 28.08، وكذا واجب الحياد المفروض، وواجب المحافظة على السر المهني، وبعض الواجبات الخاصة من أجل الحصول على وثيقة خالية من أي نزاع لحماية المتعاقدين من جهة، وتحصين المحامي لنفسه من هاجس المسؤولية.

فإن أول واجب ينبغي أن يقوم به المحامي أثناء قيامه بتحرير العقد، هو تلقي العقود داخل مكتبه، وفي حالة إنتقاله خارج دائرة مكتبه، توجب عليه إستقبال المتعاقدين بمكتب أحد زملائه في المهنة، وذلك ضمانا لسير العملية التوثيقية في ظروف تلائم مجلس العقد، ولتمكين الأطراف من إبراء رغباتهم بدقة وترجمتها على شكل وثيقة محترمة للظوابط القانونية[8] وكذا الحفاظ على أصول العقود طيلة خمس سنوات، تفاديا لأي نزاع مستقبلي، تمكين المتعاقدين من الحصول على نسخ منها كلما طلبوا ذلك.

كما أن واجب التأكد من الوضعية القانونية للعقار موضوع المعاملة التعاقدية من الواجبات البالغة الأهمية التي يتعين على المحامي القيام بها قبل إجراء تحرير التصرف العقاري، وكذا التحقق من هوية وأهلية الأطراف المتعاقدة، رغم غياب النص القانوني الذي يلزم بذلك على المحامي عكس ما هو الأمر بالنسبة للعدول والموثقين[9]، وبذلك يتعين أن يكون حريصا ودقيقا في تحديد معطيات التعاقد، من حيث إحترام أركان العقد وشروط صحته، وذلك تحقيقا للغاية التي ابتغاها المشرع من وراء حصر الجهات المخول لها تحرير المعاملات العقارية، وبالتالي سواء كان العقار محفظا أو غير محفظ وجب على المحامي القيام بكافة الإجراءات الضرورية لنقل الملكية، سواء بتقييد العقد لدى المحافظة العقارية، أو القيام بالإجراءات الضرورية لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية الموجود العقار غير المحفظ بدائرتها.

المطلب الثاني: تحقق المسؤولية المدنية لمحرري العقود الثابتة التاريخ.      

إذا ما أثبت المتضرر خطأ المحامي محرر العقد، وكان هذا الخطأ هو السبب في حدوث الضرر، إعتبر التعويض إذن واجبا في الإستحقاق ليعيد الأمور إلى نصابها، وهذا التعويض قد يتم إما بإتفاق المحامي والمتضرر، وإما عن طريق القضاء بعد سلوك المسطرة القانونية والشكلية.

 الفقرة الأولى: التعويض في دعوى المسؤولية المدنية

يهدف المدعي من وراء دعوى المسؤولية المدنية التي أقامها في مواجهة المحامي المحرر للعقد إلى الحصول على تعويض عادل وكفيل بإصلاح الأضرار التي تسبب فيها هذا الأخير بخطئه، والتعويض بمعناه الواسع إما أن يكون تعويضا عينيا وهو ما يسمى بالتنفيذ العيني، أو أن يكون تعويضا بمقابل، أو كما يسمى تعويضا نقديا، وهو الذي يغلب الحكم به في دعاوى المسؤولية المدنية بصفة عامة.

وعليه، فالتعويض العيني هو التعويض الذي من شأنه إزالة الضرر عينا، وذلك إما بمحوه حالا أو بمنع إستمراره مستقبلا، وقد يهدف التعويض العيني بإعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر بإجبار المسؤول على الوفاء بما إلتزم به، ويمكن تصور هذه الحالة في قيام المحامي الذي أخل بالتزامه بتحرير ملحق إصلاحي للعقد والذي يشترط فيه أن يكون كاملا، بحيث يكون معادلا للضرر الذي حصل[10].

أما التعويض بمقابل، أو التعويض النقدي فهو الغالب في دعاوى المسؤولية التقصيرية، إذ يدفعه المسؤول عن الضرر لتعويض المتضرر عما أصابه، ولم يحدد القانون طريقة خاصة للتعويض[11]، حيث أن القواعد العامة هي الواجبة التطبيق في هذه الحالة، مادام أن المشرع لم يتطرق للمسؤولية المدنية للمحامي المحرر للمعاملات العقارية.

وبالتالي فإن تحققت كافة شروط المسؤولية المدنية، يلزم المحامي بتعويض الزبون عن الأضرار الناتجة عن إخلاله بتنفيذ إلتزامه، فإذا تعلق الأمر بالتزام بتحقيق غاية، فإن خطأ المحامي يتحقق بعدم تحقيق هذه الغاية، بينما إذا تعلق الأمر ببذل عناية، فإن خطأ المحامي يتحقق بعدم بذله للعناية اللازمة، ومتى لحق الزبون ضرر بسبب هذا الخطأ تحققت مسؤولية المحامي العقدية إذا ما توفرت العلاقة السببية، والتي لا يتم انتفاؤها إلا لسبب أجنبي وجب على المحامي إثباته أو إعتبر الخطأ مشتركا.

وإذا تعذر تنفيذ الحكم القاضي بالتعويض بعسر المحامي المسؤول عن الضرر، فيبقى التأمين هو الحل، حيث يحل محل المهني في جبر الضرر اللاحق بالمتضرر، حيث أصبح يسيرا على أي شخص أن يؤمن على مسؤوليته المدنية، تجاه الغير لتعويض ما قد يسببه بخطئه من أضرار للغير مهما كان نوع الخطأ عقديا أو تقصيريا، مفترضا أو ثابتا، يسيرا أو جسيما.

غير أنه سمح المشرع المغربي للمؤمن اشتراط وجوب الإعلام بأي ادعاء من قبل الغير المتضرر، وإلا تحمل المؤمن عليه المسؤولية كاملة عما قد يسببه بفعله أو خطئه، بمعنى آخر يجوز الإتفاق بين المؤمن والمؤمن له على أنه لا يمكن الإحتجاج على المؤمن بأي إعتراف بالمسؤولية أو أي صلح دون علمه، وأنه لا يعتبر الاعتراف بواقعة ما بمثابة إعتراف بالمسؤولية[12].

فالتأمين يوفر له حماية من الأخطار المهنية ويكفل للمتعاقدين والأغيار حقوقهم في التعويض عن الأضرار اللاحقة بهم، والمشرع المغربي لم ينص صراحة عن إجبارية عقود التأمين بل أشار في الفصل 91 عن مهام مجلس الهيئة من القانون رقم 28.08، حيث يعود اختصاص مجلس الهيئة في إدارة أموال الهيئة وتحديد واجبات الإشتراك، وإبرام عقود التأمين عن المسؤلية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين، غير أن ما يغطيه هذا التأمين هو الأخطاء المهنية فقط والمرتكبة من طرف المحامي في إطار مزاولته لمهامه، أما الأخطاء التي تخرج عن هذا الإطار فلا تعني شركة التأمين، حيث يتحمل المحامي الخسائر والأضرار الناتجة عن الحادث الفجائي أو الناتجة عن خطأ المؤمن له، غير أن المؤمن لا يتحمل رغم كل إتفاق مخالف للخسائر والأضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو تدليسي للمؤمن له[13].

الفقرة الثانية: سقوط الحق في المطالبة بالتعويض بالتقادم.

يعتبر التقادم خلال المدة التي يحددها القانون، مسقط الدعوى الناشئة عن الإلتزام طبقا لما ورد في الفصل 371 من قانون الإلتزامات والعقود، حيث أن التقادم يعد من بين أحد أسباب سقوط الدعوى المدنية أو المطالبة بالحق المدني والتي يمكن للمحامي أن يتحلل منها أو أن يدفع بها للمسؤولية بعد إنصرام الأجل المحدد قانونا.

فالأجل المحدد لرفع الدعوى ضد المحامي محرر العقد الثابت التاريخ، يختلف باختلاف المسؤولية المدنية بين التقصيرية والعقدية، فإذا كان الخطأ ناتجا عن مسؤولية تقصيرية جراء جريمة أو شبه جريمة فالتقادم ينقضي بمضي خمس سنوات، وتبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى الزبون المتضرر الضرر، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر[14].

بمعنى آخر، أنه متى ماكان الخطأ المرتكب من المحامي تقصيريا فإن التقادم نوعين في هذا الشأن، تقادم قصير مدته خمس سنوات تبتدئ يوم علم الزبون المتضرر بالضرر، فإذا تعذر العلم به فإن التقادم طويل المدة ومدته عشرين سنة تبتدئ من يوم وقوع الضرر الموجب للتعويض.

ولم يكتف المشرع بتحديد المدة، بل منع الأطراف من الإتفاق على رفع هذه المدة حيث لا يسوغ للمتعاقدين، بمقتضى إتفاقات خاصة، تمديد أجل التقادم إلى أكثر من ذلك[15].

أما إذا كانت المسؤولية عقدية للمحامي فإنها تخضع لمقتضيات 387 من قانون الإلتزامات والعقود والذي نص فيه المشرع على أن: " كل الدعاوي الناشئة عن الإلتزام تتقادم بمضي خمس عشرة سنة، فيما عدا الإستثنادات الواردة فيما بعد، والإستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة".

فهذه القواعد وإن كانت عامة، فإنها تنسجم مع الخطأ المفترض في جانب المحامي محرر المعاملات العقارية، والخطأ قد يكون مهنيا أو مدنيا وهو أمر وارد جدا كإغفال أحد البيانات اللازمة لصحة العقد، كما قد يكون جنائيا، كتحرير عقد بناء على وثائق مزورة، ومع ذلك تبقى المقتضيات العامة التي خولها المشرع كافية للمطالبة بالحق، أمام سكوته في القانون رقم 28.08.

وختاما، فإذا كان التوثيق هو السبيل الوحيد لحفظ حقوق الأطراف، فإن تحديد حقوق وواجبات أطراف العلاقة التوثيقية بشكل واضح يعد ضمانة أساسية لحماية حقوق المتعاقدين، كما أن تشديد المسؤولية على القائمين على العملية التوثيقية هو المأمن الوجيه والامثل لحماية مهنة التوثيق من أصحاب النية السيئة ،خاصة أمام السكوت الواضح للمشرع المغربي في تحديد مسؤولية المحامي محرر العقد الثابت التاريخ في حالة إخلالهم بإلتزاماتهم تجاه الزبناء المتعاقدين، فمادام أن المشرع منح للسادة المحامين مهمة التوثيق فكان لزاما عليه تقنين هذه الإمكانية والإحاطة بجميع جوابنها وإعطاء الإمكانية للمتعاقدين المتضررين متابعة المحامي الذي ألحق ضررا بالأطراف المتعاقدة، ذلك أن المسؤولية الأدبية التي نظمها المشرع غير كفيلة بالحفاظ على حقوق المتعاقد المتضرر.


 



[1] المادة 30 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.

ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 شوال 1429 20 أكتوبر2008 بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5680، بتاريخ 6 نوفمبر 2008.

[2] ظهير شريف رقم 1.11.78 صادف في 25 من ذي الحجة 1432  22 نوفمبر 2011 بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، والمنشور بالجريدة الرسمية، عدد 5998 بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 24 نوفمبر 2011.

[3] الفصل 425 من ق. ل. ع.

[4] ظهير شريف رقم 1.11.179 صادر في 25 من ذي الحجة 1432  22 نوفمبر 2011 بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 24 نوفمبر 2011، ص: 5611.

[5] عبد القادر بوبكري: ضوابط توثيق التصرفات العقارية في المحررات الثابتة التاريخ قراءة في مدونة الحقوق العينية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد المزدوج: 135136، مطبعة النجاح الجديدة، أبريل  يوليوز: 2012، ص: 75 وما بعدها.

[6] الفصل 73 من قانون التحفيظ العقاري.

[7] حسن زرداني: قراءة في المادة 12 من القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، مقال منشور بأشغال الندوة الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق، مراكش، 11و 12 فبراير 2005، توثيق التصرفات العقارية، ص: 172 وما بعدها.

[8] المادة 42 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.

[9] المادة 31 من القاوون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة. والمادة 37 من القانون 32.03 المتعلق بالتوثيق.

[10] مأمون الكزبري: نظرية الإلتزامات في ضوء قانون الإلتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1982، ص: 426.

[11] هناك حالات خاصة تولى المشرع فيها تحديد مبالغ جزافية محددة مسبقا لبعض التعريضات وعناصر تقديرها، ولا سلطة للأطراف أو للمحكمة في تحديد هذه المبالغ حتى ولو جاءت دون تعويضات كاملة لحجم الضرر.

محمد الشرقاني: المسؤولية المدنية، مطبعة سجلماسة، مكناس، طبعة 2010، ص 348 وما بعدها.

[12] المادة 64 من مدونة التأمينات.

 ظهير شريف رقم 1.02.238 صادر في 25 من رجب 1423  3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5054 بتاريخ 2 رمضان 1423 07 نوفمبر 2002.

[13] الفصل 17 من مدونة التأمينات الصادرة بتاريخ 13 أكتوبر 2002.

[14] الفصل 106 من قانون الإلتزامات والعقود.

[15] الفصل 375 من قانون الإلتزامات والعقود.