مسار تطور قضية الصحراء المغربية – بين الروابط التاريخية و الاعتراف الدولي

 



مسار تطور قضية الصحراء المغربية – بين الروابط  التاريخية و الاعتراف الدولي

خالد هيدان

دكتور في القانون العام وأستاذ زائر بكلية الحقوق بسطات

 

الملخص: يعالج هذا المقال فكرة أساسية مفادها القضية الصحراء المغربية التي تعتبر القضية الوطنية الأولى ، التي أسالت مداد أقلام الكثير من الباحثين كما حظيث هذه القضية بالرعاية السامية  من قبل الملك الراحل الحسن الثاني واستمر هذا الاهتمام في ظل العاهل محمد السادس وباقي الجهات الرسمية المغربية جاعلين منها الحق التاريخي والقانوني، ولمقاربة هذا الموضوع المعنون ب: مسار تطور قضية الصحراء بين الروابط التاريخية والاعتراف الدولي، حاولنا تحليله من خلال وضع إشكالية رئيسية متجلية في ، مدى مساهمة الشرعية التاريخية والمشروعية الدولية في ترشيخ مبدأ الصحراء المغربية، ولصبر أغوار هذا الموضوع بالدراسة والتحليل اعتمدنا التقسيم التنائي ن بحيث ناقشنا في المحور الأول الروابط التاريخية لمغربية الصحراء، تم في المحور الثاني مغربية الصحراء:الاعتراف الأمريكي أنموذجا.

Summary :This article addresses a basic idea: the Moroccan Sahara issue, which is considered the first national issue, which has drawn the pens of many researchers. This issue also received the high patronage of the late King Hassan II, and this interest continued under King Mohammed VI and the rest of the Moroccan official authorities, making it a historical right. And legal, and to approach this topic entitled: The path of development of the Sahara issue between historical ties and international recognition, we tried to analyze it by developing a main problem manifested in, the extent to which historical legitimacy and international legitimacy contribute to the consolidation of the principle of the Moroccan Sahara,

In order to study and analyze this topic patiently, we adopted a dichotomous division, so that in the first axis we discussed the historical ties to the Moroccanity of the Sahara, and in the second axis we discussed the Moroccanity of the Sahara: American recognition as a model.

 

 

مقدمة :

حظيت قضيت الصحراء باهتمام  كبير من طرف القوى المغربية السياسية والاجتماعية وعلى رأسها ملك البلاد، حيث اعتبرت اختلاقها قضية المملكة المغربية الأولى،كما عرفت اهتماما على المستولى الدولي بسبب تشبث المغرب باستكمال وحدته الترابية في إطار الشرعية الدولية [1].

إن القول بأن الصحراء مغربية هو اقتناع بأنها تشكل إقليما من أقاليم بلادنا، فالتاريخ يؤكد أنها لا تقل مغربية عن باقي المدن المغربية، وهذا الطابع يتضح من خلال منظور جغرافي ولغوي وثقافي وديني وعرقي، ويتأكد أيضا من خلال ما كتبه العديد من الرحالة والجغرافيين والمؤرخين الأوروبيين الذين جالوا عبر هذه المنطقة في بداية القرن الماضي، ولا حظوا إلى أي حد كان المواطنون الصحراويون متشبثين بمغربيتهم.

وأحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج التاريخية والقانونية والسياسية، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين لها أصول صحراوية وانطلقت من الصحراء، فقد خلصت بعض الدراسات حول تاريخ المغرب إلى تميزه بتتابع مجموعة من الدول على الحكم، إلا أن “الدول” التي انطلقت من الجنوب المغربي أو قامت بمساعدة الجنوب المغربي كانت فترة حكمها طويلة، وخير دليل على تلك الفترة الزمنية التي عاشها المرابطون والمرينيون والسعديون والدولة العلوية.

لذلك، فالصحراء المغربية هي جزء لا يتجزأ من خطوط طول وعرض الدولة المغربية، ومن خارطة المملكة، ولا يمكن لأي كان أي يدعي بأن أقاليمنا الصحراوية هي ملك لشخص آخر أو كيان آخر مجهول الهوية والتاريخ، فالكل يؤكد هذا الطرح، سواء التاريخ المستعمر، أو حتى السكان الأولون وعشائر تلك الأقاليم المغربية[2].

والموقف المغربي،نابع عن انفعالات عاطفية اكتر منها الماما بتفاصيل ملف الصحراء المغربية، وهي مسألة منطقية لان مغربية الصحراء بالنسبة لأي مغربي هي مسلمة لا تحتاج إلى أي دليل،ومادام أن مشكل الصحراء لم يجد حل نهائي فان الشعور الوطني وحده غير كافي ولابد من طلب دعم الرأي العام الدولي، هذا الأخير ليس ليديه معطيات كافية حول الموضوع، بل قد يكون هناك جهات قد مكنته من معطيات مغلوطة في إطار الدعاية المضادة للوحدة الترابية المغربية ،خصوصا وان التطور الحاصل في وسائل الاتصال تسير عملية توصيل المعلومة وتكييفها حسب نوايا وأغراض الجهات التي تقف وراء هذه العملية[3].

وعليه ، فان تمثيلية الساكنة في المؤسسات العديدة لإدارتها بناءا على الشرط الديمقراطي ، تمكن من تدبير شأنها العام وفق لخصوصياتها، وبناءا على التراث القانوني للحكم الذاتي في القانون الدولي ، وعلى أساس وجود قانون لها ، ضمن الوحدة الوطنية والترابية للمغرب.

ويكون ذلك نتيجة إعمال المسارين : أولهما تفاوضي ، وثانهما استفتائي، طبقا لمبدأ تقرير المصير وميثاق الأمم المتحدة[4] .

وبناءا على هذا التقديم المبسط لهذا الموضوع، يمكن طرح اشكاليته الرئيسية والمتجلية في ، مدى مساهمة الشرعية التاريخية والمشروعية الدولية في ترسيخ مبدأ مغربية الصحراء ؟.

هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه بالدراسة والتحليل ، وذلك من خلال تقسيم هذا الموضوع وفق النحو الآتي :

المحور الأول : الروابط التاريخية لمغربية الصحراء

سنحاول من خلال هذا المحور المتعلق بالروابط التاريخية ، دراسة كل من الوقائع التاريخية التي تثبت مغربية الصحراء ، وكدا دور الأساسي التي تلعبه البيعة في الإقرار بهذا الحق المشروع ، وذالك وفق الشكل التالي :

أولا : الوقائع التاريخية المثبتة لمغربية الصحراء

ظل النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء القضية الوطنية الأولى للنظام السياسي المغربي ومن ثوابته الدستورية، فهي مرتبطة بالشرعية التاريخية والدينية، والقانونية والسياسية، والعلاقات الاقتصادية، وبالامتداد الجغرافي والبشري،[5] كما أكد ذلك الراحل الحسن الثاني : " إن هذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين ،جدتي خناتة زوجة المولى إسماعيل صحراوية، وأم سيدي محمد بن عبد الله صحراوية ،وثلاثة من أجدادي صحراويين من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النبوية، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط، ولا المغرب صحراوي بالأمس وفي الحقيقة هل نحن الذي سنرجع الصحراء أم أن الصحراء هي التي سترجع إلى المغرب"[6].

    وعليه تتميز الروابط بين العلويين والأقاليم الصحراوية بالتجدر في التاريخ ، لأنهم جاءوا إلى الحكم من منطقة تافيلالت الصحراوية، وازدادت هذه الروابط توطدا مع ظهور الأطماع الاستعمارية، فقد وصل المولى الرشيد أتناء تأسيسه للدولة الحديثة حتى تخوم السودان، ووصل المولى إسماعيل أتناء مراقبته لأرجاء البلاد شنقيط، وفي أتناء فترة النزاع بين أبنائه على السلطة ظل العمال التابعون للدولة المغربية متواجدون بشنقيط، وعالج المولى عبد الرحمان وخلفه سيدي محمد الرابع شؤون الأقاليم الصحراوية ومشاكلها موجهين اهتمامهم إلى مسألة التسلل الأجنبي إلى هذه المناطق الجنوبية التي بدأت تستفحل خلال القرن 19،ووقع المولى الحسن مستوى اهتمامه لهذه الأقاليم حيث سافر إليها بنفسه مرتين : في الرحلة الأولى عين مجموعة من العمال وقائدا يستشرون معه في تسيير شؤون المنطقة، وفي الرحلة الثانية منح ظهيرا كلف بموجبه إبراهيم بن محمد التكني بحراسة الشواطئ المجاورة لقبيلته ، وظل يتابع محاولات الترسب الاستعماري [7].

    ومن مظاهر السياسة لممارسة الدولة العلوية للسيادة في المناطق الصحراوية، نجد رسائل ملوكها لبعض الولاة والقواد الصحراويين، والتي تعتبر دليلا قاطعا على ممارسة هده السيادة، نذكر منها :

-        رسالة المولى عبد الرحمان بن هاشم على الشيخ الحبيب بيروك، يأمره فيها بتوجيه أسيرا اسباني قبض عليه الصحراويين إلى تارودانت آو إلى الصويرة، واحترام السفن التي تتحطم على السواحل الصحراء وتوجيه ما يوجد بها إلى السلطان المخزن بالعاصمة،

-        رسالة من الحسن الأول إلى الحبيب ابن الشيخ مبروك الوادنوني الحلمي ،تتعلق بموضوع القبض الخارجيين من سواحل مدينة الصويرة،

-        رسالة المولى الحسن إلى إبراهيم بن مبارك الزركي يضفي عليه من خلالها حلل التوقير والاحترام ويحرره من جميع التكاليف المخزنية والوظائف السلطانية،

-        رسالة المولى عبد العزيز إلى الشيخ ماء العينين ، في موضوع الحالة المرتكبة في الصحراء المغربية نتيجة الاعتداءات المسلحة التي قامت بها الجيوش الفرنسية على المنطقة،

-        رسالة المولى عبد الحفيظ إلى القائد محمد بن بلال والقائد بن إبراهيم بن مبارك من قواد الزركيين من تكته، يأمرهما فيها بطرد أحد النصارى من البحر بطرفاية ومنع كل من يرد من قبائل للبيع والشراء[8].

وفي سياق ربط الدولة المغربية علاقات دبلوماسية مع الدول الأجنبية ، أبرم ملوكها عدة اتفاقيات دولية أقرت منها بسيادة السلطان على جميع أراضي المملكة الشريفة ، بما فيها مناطق الصحراوية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نجد :

-        اتفاقية 1786 مع الولايات الأمريكية،

-        اتفاقية 1799 بين المغرب واسبانيا ،

-        المعاهدة المبرمة بين المغرب وبريطانيا في القرن 19،

-        معاهدة تطوان المبرمة بين اسبانيا اثر هزيمة 1860...

إن تحليل مختلف الاتفاقيات والفصول التي تهم إقليم الصحراء الوارد فيها، تسمح لنا استخلاص بعض النتائج أولها، إن السلاطين المغاربة التزموا دائما باغاتة ومساعدة الركاب والسفن التي تجنح إلى السواحل الصحراوية، ثانيا أن عمليات الإنقاذ كانت تتم تحت إشراف الولاة والعمال المغاربة بالمنطقة ، وعليه فلم يكن يسمح لقناصل الدول الاجنيبة أو نوابهم بالمشاركة في إعمال البحث والاغاتة إلا بعد حصولهم على موافقة  وإذنه بذلك [9].

ثانيا : أهمية البيعة في قضية الصحراء

كما هو معروف، فإن البيعة الشرعية تعتبر بمثابة وثيقة قانونية يؤكد فيها المواطنون، بواسطة ممثليهم ولاءهم للملك واعترافهم بشمول سيادته على مجموع أراضي مملكته، وفي قضية الصحراء أتثبت الوثائق التاريخية ولاء قبائل الصحراوية المغربية لملوك عن طريق البيعة التي تعتبر ، باعتراف محكمة العدل الدولية ارتباطا قانونيا تترتب عنه حقوق وواجبات ويؤكد ممارسة ملك المغرب لسيادته على المنطق الصحراوية ، فهناك إذن روابط السيادة الإقليمية كان من مظاهرها التزام السلطان دوليا ، بواسطة المعاهدات بكل ما يترتب عن هذه السيادة من الدفاع عن حوزة هذه الأقاليم من جهة ، وحماية رعايا الدولة الاجنيبة الموجودين فوق ترابها من جهة أخرى [10].

لم يكن الهدف من مبايعة سكان الصحراء للملوك العلويين هو اعتراف لحكمهم أو الولاء والطاعة لهم فقط ، بل إنه اعتراف بان الصحراء ارض مغربية على السلطان حمايتها والدفاع عنها ضد الأطماع الأجنبية، وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية بالمغرب ، كما أن تعيين الأقاليم بأسمائها وتوقعات رؤسائها في البيعة التي ترفع إلى سلطان المغرب تبين بوضوح امتداد ارض المملكة وحدودها ،ويميز الأراضي التابعة لها عن تلك الخارجة عن نفوذها.

ومن البيعات الشرعية للقبائل الصحراوية  للملوك والسلاطين المغاربة ، نذكر منا على سبيل المثال:

-        بيعة أهل الساحل والقبلة ودليم وبربوش والمغافرة ووادي مطماع وجرار للمولى إسماعيل، عندما زار سوس فبلغ أقا وطاطا وشنقيط وتخوم السودان،

-        بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1728،

-        بيعة للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هاشم بمبادرة من أحد الشيوخ الإعلام من الصحراء شنقيط وابن طوير الجنة الطالب أحمد المصطفى الشنقيطي لوداني،

-        بيعة المولى عبد الرحمان من الشيخ المختار الكنتي الحفيظ ابن محمد المختار ،

-        بيعات الشيح ماء العينيين للسلاطين المغاربة ، والذي كانت علاقاته بالحكومة الشريفة وطيدة، حيث كان بمثابة نائب للمخزن في الصحراء فيما بين سنة 1888 و 1900...

وهكذا يظهر أن البيعة تعتبر ركيزة أساسية للدولة المغربية وضمانا الاستمرارية والاستقرار السياسي طيلة 12 قرن ، كما شكلت رمز للوحدة ولجمع كلمة الأمة والوقوف في وجه الاستعمار الأجنبي ونشر الأمن والأمان في سائر ربوع المملكة.

وهذا ما جعل المرحوم الحسن الثاني ، يؤكد دائما أن ممارسة البيعة عنصر جوهري في النظام الملكي المغربي ليس على المستوى الدستوري فقط ، بل على المستوى المؤسساتي أيضا، وشكلت دائما العروى الوثقى التي تربط بين الملك ورعاياه[11] .

هذا، وقد شهدت قضية الصحراء المغربية في عهد الملك محمد السادس تطور ملحوظ ، وهذا التطور لم يكن بالصدفة بل هو نتاج عمل جاد قاده الملك سواء على المستوى الداخلي من خلال السعي إلى ترسيخ الديمقراطية المحلية ، وتعزيز الجهوية المتقدمة والحكامة الجيدة وبلورة النموذج التنموي للأقاليم الجنونية[12] ،وهو ما تجلى من خلال ربطه بين إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء، وبين ترسيخ البناء الديمقراطي الداخلي ، من خلال اعتماد جهوية متقدمة كما سبق الذكر، تمنح ساكنتها وأبنائها إمكانية تسيير شؤونهم بأنفسهم، تحت السيادة المغربية بواسطة هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية[13] .

    وعليه ، تبقى للجذور التاريخية بكافة مكوناتها دورا هاما في ترسيخ مغربية الصحراء منذ عقود خلت ، الشيء الذي يتـأكد من خلال التطورات الجديدة التي عرفتها قضية الصحراء ، وذلك من خلال الاعتراف الدولي الجديد  علما أن القضية عرفت اعترافات دولية في السابق كما تم تبيانها  بحلة ومنظور جديد، وهذا ما سنقوم بدراسته من خلال المحور الآتي :

المحور الثاني : دور الشرعية الدولية في مغربية الصحراء: الاعتراف الأمريكي نموذجا

اتسمت مطالبة المغرب بأراضيه المستعمرة في جميع مراحلها، بنهج طرق التسوية السليمة واحترام الشرعية الدولية، ومذ حصوله على الاستقلال سنة 1956 حرص على المطالبة بأقاليمه الصحراوية مستندا في ذلك إلى حقوقه التاريخية والقانونية، وللحديث عن هذه النقطة سنقوم بتقسيم هذا المحور وفق الشكل الآتي :

أولا: الشرعية الدولية في قضية الصحراء المغربية

بداية هذا المشكل ستكون مع استقلال المغرب سنة 1956 ، فقد حرصت اسبانيا على تعزيز تواجدها بالأقاليم الصحراوية، إذ بعد أن أعادت منطقة طرفاية الواقعة على الحدود إلى المغرب، أعادت التقسيم الإداري للأقاليم ووضعت برنامجا لتجهيز الأسبان على نطاق واسع إلى الصحراء لتذويب قيم وثقافات سكان الإقليم، وتبع ذلك وضع اليد على الثروات الطبيعية في المنطقة وتعزز التواجد السياسي بتواجد عسكري بلغ في مجمله ضعف عدد السكان المدنيين أذاك.

     وعندما استشعرت اسبانيا خطر المطالب المغربية القائمة على الوحدة الجغرافية والاقتصادية والبشرية التي تجمعها بإقليم الصحراء، ذهبت إلى حد اعتبار الإقليم في حكم المناطق الاسبانية وعينت ممثلين له في البرلمان الاسباني ، وبات تستغل الخلافات بين المغربية وموريتانيا للاحتفاظ  بسيادتها على الإقليم [14].

هذا وقد أثيرت قضية الصحراء المغربية لأول مرة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة سنة 1961، بعد أن تعثرت مساعيه في فض النزاع بينه وبين اسبانيا عن طريق التفاوض، شجعه على ذلك مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 15 المنعقدة سنة 1960،على التوصية 1514 التي تحمل عنوان " تصريح حول منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة "، وقد نجح في استصدار عدة قرارات دولية استنادا إلى مبدأ تصفية الاستعمار، نذكر منها التوصيتان الصادرتان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 2027 بتاريخ 16 دجنبر 1965 و 2229 بتاريخ 20 دجنبر 1966، وكلاهما بشان منطقة سيدي افني والصحراء المغربيتين الخاضعين للسيطرة الاسبانية ،طالبتا الحكومة الاسبانية بالدخول في مفاوضات مع المغرب لمعالجة مشكل الصحراء طبقا لما تضمنته التوصية 1541[15] .

     وفي صيف 1974 أحتد النزاع حول الصحراء حين أعلنت الحكومة الاسبانية عن قرب تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء بشكل إنفرادي، ورد المغرب بحملة دبلوماسية واسعة النطاق في بأسره للتعريف بملف الصحراء، وأعلن عزمه عرض المشكلة على أنظار محكمة العدل الدولية لتعطي رأيا استشاريا في الموضوع، وقد تبنت لجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار الذي تقدمت به 35 دولة افريقية وعربية إلى الجمعية العامة[16] ، تطلب من خلاله من المحكمة آن تعطي رأيا استشاريا حول النطق التالية :

أ – هل كانت الصحراء الغربية  الساقية الحمراء ووادي الذهب  وقت استعمارها من طرف اسبانيا إقليما بلا مالك ؟ وإذا كان الجواب بالنفي ، يكون السؤال الثاني هو:

ب – ماهي الروابط القانونية بين هذا الإقليم وكل المملكة المغربية وموريتانيا ؟.

ودعت اللجنة اسبانيا إلى تأجيل تنظيم الاستفتاء المقرر حتى تترك للجمعية العامة فرصة إعلان السياسة التي يجب إتباعها طبقا للقرار 1514 على ضوء الرأي الاستشاري ، الذي ستعطيه محكمة العدل  الدولية .

    وقد أصدرت المحكمة يوم 16 أكتوبر 1975 رأيها الاستشاري الذي تضمن العناصر التالية :

1 – الاعتراف بأن النزاع من اختصاصها مؤكدة بذلك الموقف المغربي الذي يثبت وجود نزاع قانوني بينه وبين اسبانيا في موضوع الصحراء ،

2 – نفي العنصر الثاني للنظرية الاسبانية التي تـدعي أن تلك الأرض كانت خلاء أتناء احتلالها ،

3 – تأكيد وجود صلات قانونية بين الصحراء والمملكة وان الأولى كانت تدين للثانية [17].

     وبمجرد صدور هذا الرأي أعلن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء ، للالتحاق بالصحراء وتحريرها بالطرق السليمة من الاستعمار الاسباني ، ومع انطلاق المسيرة اصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 380 في 6 نونبر 1975 حث فيه الأطراف المعنية بقضية الصحراء على التفاوض طبقا للمادة 33 من الميثاق المتضمنة في الفصل 6 المتعلق بحل النزاعات الدولية بالطرق السليمة[18] .

    وبعدها جاءت اتفاقية مدريد لتكريس سيادة المغرب على صحرائه، بتاريخ 8 نونبر 1975 ، بحث صادق البرلمان الاسباني على اتفاقية مدريد في 19 نونبر، ووافق على المرسوم الملكي الذي أذن للحكومة الاسبانية بالتخلي عن إقليم الصحراء، وقد جاء في المرسوم أن الصحراء لم تكن في يوم من الأيام تشكل جزء من التراب الوطني للملكة الاسبانية، ذلك اعتراف من طرف الحكومة الاسبانية بحق المغرب في المطالبة باسترجاع أراضيه الصحراوية [19].

ثانيا : الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

تعتبر الولايات المتحدة  قطبا من أقطاب العالم، وعضوا دائما لمجلس الأمن الدولي بحق الفيتو، لها وزن اختيار المبعوث الشخصي للأمين العام ، وفي صياغة قرارات المجلس الدولي قصد المصادقة، وهي أيضا عضو جمعية أصدقاء الصحراء، مما سيقوي طرح الحكم الذاتي ويقوض نظيره أي الاستفتاء وتقرير المصير[20].

    وعليه، فقد أصدر الرئيس الأمريكي مرسوما ، يشكل لا رجعة فيه باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ، لأول مرة في تاريخها بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية ، وقال الرئيس الأمريكي في هذا الإطار أن : " المغرب اعترف بالولايات الأمريكية عام 1777، ومن المناسب أن نعترف بسيادته على صحرائه " ، وهو أمر يعني عراقة وربما إصرار أمريكا على رد الجميل الذي عمره 243 عاما ول متأخرا[21] .

وقد جاء هذا التتويج في سياق التحولات التي شهدتها قضية الصحراء المغربية بقيادة الملك محمد السادس، خصوصا ما يتعلق بعودة المغرب للاتحاد الإفريقي ، وتعزيز المبادرات التنموية بالأقاليم الجنونية للمملكة ، وقرارات العديد من الدول بفتح قنصليات لها بالصحراء المغربية، كما يأتي بعد التدخل الحاسم والناجع للقوات المسلحة الملكية بمنطقة الكر كرات ن من اجل حفظ الأمن والسلم والاستقرار، وضمان حرية تنقل الأشخاص والبضائع [22]، كما يعتبر هذا القرار نطقه تحول جد مهمة بالنسبة للقضية الوطنية ،لما لا وأن القرار جاء من دولة عظمى لها وزنها في كل أجهزة الأمم المتحدة ، وهي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ، ولها كذلك وزنها في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية .

إلى جانب البعد السياسي والقانوني الذي يحمله القرار الأمريكي هناك ، البعد الاقتصادي الذي يعبر عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الاستفادة من البعد الاستراتيجي  والموقع الجغرافي للمغرب، وكتجسيد لذلك قررت الولايات المتحدة الأمريكية فتح قنصليات لها بمدينة الداخلة ، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية من اجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية ، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

    وبالموازاة مع ذلك ، وبعد صدور هذا القرار اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية خريطة كاملة ورسمية للمغرب تضم الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي خريطة أصبحت معتمدة رسميا

لدى الحكومة الأمريكية ، من هنا يمكن القول أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ، يشكل دعما رسميا لمبادرة الحكم الذاتي، وبداية حسم النزاع المفتعل والمصطنع الذي عمر طويلا[23] .

وبالتالي تعد المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كما سيسهم هذا الاعتراف في توسيع دائرة الاعتراف الدولي سيادة المغرب على صحرائه.

خــــــاتمة :

بناءا على ما تقدم ذكره، يمكن القول أن قضية الصحراء المغربية ، تشكل القضية الوطنية الأولى للنظام السياسي المغربي، مستعينا في ذلك على الروابط التاريخية العريقة، التي تؤكد مغربية الصحراء ، وعلى الشرعية الدولية للعديد من المؤسسات الدولية، سواء منظمة الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، التي هي بدورها تزكي طرح أحقية المغرب لصحرائه، الشيء الذي تأكد من خلال الاعتراف التاريخي والأخير للولايات المتحدة الأمريكية كل هذا يجعلنا نؤكد بما لا مجال للشك أن الادعاءات التي تلوح بها أعداء الوحدة الترابية للمملكة ، ما هي إلا أوهام ومحض صدف لا أساس لها تاريخيا ولا مؤسسا، وبذلك نكون أمام مجموعة من العراقيل الغير الشرعية التي تريد زعزعة استقرار المملكة المغربة ومؤسساتها وزرع الفتنة .

     كما عرفت قضية الصحراء المغربية تحولات وتطورات في عهد الملك محمد السادس، باعتباره الضامن الأساسي لاستقرار البلاد، من خلال وضع دبلوماسية جديدة براغماتية وواقعية ، تستند على قواعد ومبادئ القانون الدولي ومبنية على توسيع العلاقات الاقتصادية مع مختلف الأطراف الدولية ، بما فيها تلك التي كانت تعترف بالكيان الوهمي ، التي قامت بفضل هذه العلاقات القوية مع المغرب بحسب اعترافها للبوليساريو ، ودعم الطرح المغربي والمتمثل في مبادرة الحكم الذاتي.

    لكن وأمام كل هذه التطورات الإيجابية في قضية الصحراء المغربية، لا يمكننا أن ننكر أنه لا زالت الطريق أمام الدبلوماسية المغربية، وأن هناك عدة رهانات مستقبلية لمواكبة التحولات التي يشهدها السياق الإقليمي والدولي ، والتحديات التي تنظر المغرب.

 



[1]  أحمد نجم الدين : تقديم لكتاب " قضية الصحراء المغربية بين الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية "، دار النشر المغربية ، البيضاء – طبعة 2012،ص 5

[2]  يونس مليح : أستاذ القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات / الرشيدية ، مقال حول : " مشروعية المغرب في الصحراء "، منشور بمجلة هيسبريس الالكترونية ، بتاريخ 15 غشت 2019.

[3]  حسن الخطابي : " قضية الصحراء بين الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية "، دار النشر المغربية ، البيضاء – طبعة 2012،ص 7.

[4]  عبد الرحيم العماري : في منطق الترافع عن قضية الصحراء أو أصول القوة الترافعية "، مطبعة طوب بريس – الرباط، الطبعة الأولى 2016، ص 182.

[5]  حميد ملاح : " مسار تطور قضية الصحراء المغربية في عهد الملك محمد السادس "، مقال منشور ضمن المؤلف الجماعي حول ، " المؤسسة الملكية والإصلاح السياسي والدستوري – دراسة تحليلية ل 21 سنة من حكم الملك محمد السادس "، سلسلة أفاق 5 المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش،طبعة 2021، ص 405

[6]  من الحجج التاريخية نجد أزيد من 500 رسالة قوية مؤرخة من سنة 1962 إلى سنة 1910 تثبت استمرارية، بيعة القبائل الصحراوية للملوك العلويين، وان اكتر من 99 وثيقة تتعلق بالظهائر الملكية، مؤرخة من سنة 1962 إلى سنة 1911ن تقر ممارسة السياسة على الأقاليم الصحراوية عن طريق تعيين العمال والقواد والقضاة في مختلف الأقاليم الجنوبية، ومن ضمن هذه الوثائق ما ينبث علاقة الأقاليم الصحراوية للقضاء الأعلى بمراكش من خالا الإحالة القضايا المعقدة عليها .. وتتجسد الحجج الدينية في المرجعية المالكية الموحدة من شمال المغرب الى جنوبه مند القرن العاشر ميلادي، وفي كون الصحراويين كانوا يختمون ادعيتهم وصلواتهم دائما بالدعاء للسلطان خصوصا في صلاة الجمعة، كما كان لعلماء الصحراويين احتكاك وتفاعل بعلماء باقي مناطق المغرب وهو ما يؤكد الوحدة الدينية، خاصة مع علماء فاس وهو ما سجلته مثلا الرحلة الحجازية لمحمد يحيى الولاتي ورحلة أبي عبد الله الأمين الصحراوي وغيرهما، كما كان علماء الصحراء عبر امتداد تاريخ المغرب دعاة وحدة بما اسهمو به من روابط لجنوب المغرب بشماله وتوطيد لدعائم البيعة في المناطق في الصحراء عبر الزوايا الصوفية  ...، لمزيد من التفاصيل انظر : المصطفى الخلفي ،" مغربية الصحراء حقائق واوهام حول النزاع "، دليل من أجل ترافع فعال ومؤثر ، الطبعة الثانية ، شتنبر 2019 ،ص 17/18/19/20/21 .

[7]  احمد السالمي الإدريسي : " محاولة في مفهوم الروابط القانونية بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراوية – قبل 1912 " ،رسالة لنيل الدراسات العليا في القانون العام ، جامعة الحسن التاني / عين الشق ، البيضاء ،سنة1984 ، ص 117.

[8]   السعيد بوركبة : " أضواء على عمق الروابط بين قبائل الصحراء المغربية، وملوك الدولة العلوية " ، مجلة دعوة الحق ، العدد 341، السنة 40 ، مارس 1999، ص 97/98.

[9]  حسن الخطابي : " قضية الصحراء بين الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية "، مرجع سابق، ص 14/15.

[10]  محمد العربي الخطابي : " مفهوم البيعة والسيادة الترابية "، مجلة الفنون ، عدد خاص عن المسيرة الخضراء ، 1976 ، ص 127.

[11]  حسن الخطابي : " قضية الصحراء المغربية بين الشرعية التاريخية  والمشروعية القانونية "، مرجع سابق ، ص 27

[12]  إدريس الكريني : " تطورات قضية الصحراء المغربية على ضوء الجهود الدبلوماسية و التنموية "، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 109 ، سنة 2020، ص 341

[13]  سعيد خمري : " الملكية الدستورية بالمغرب – مسير البناء الديمقراطي "، منشورات المركز العربي للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ، مطبعة دار المناهل ، طبعة 2021 ، ص 154/155

[14]  يونس مليح : " مشروعية المغرب في صحرائه "، مرجع سابق، ص 2

 حسن الخطابي : " قضية الصحراء المغربية بين الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية "، مرجع سابق ، ص 38[15]

[16]  اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 3292 الذي وافق عليه لجنة تصفية الاستعمار ، بأغلبية 88 صوتا وامتناع 43 دولة عن التصويت وغابت 7 دول

 منطوق هذا الرأي تميز بإخضاع مفهوم السيادة الذي عرفته الدولة المغربية منذ قرون ،لمبادئ القانون العام الأوروبي[17]

[18]  تنص المادة 33 على مايلي :

" 1 يجب على الأطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والامن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة المفاوضة والتحقق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية،أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السليمة التي يقع عليها اختيارها"

" 2 يدعو مجلس الآمن أطراف النزاع أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق اذا رأى ضرورة لذلك " .

[19]  محمد ابن عزوز حكيم : " السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية "، الجزء الأول ، البيضاء 1981، ص 21

[20]  عبد الرحيم العماري : " حفريات نقدية عن المغرب السياسي "، الجزء الثاني، الطبع والنشر، برنت ، الطبعة الأولى يونيو2021، ص 316

[21]  خير الله خير الله : " الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه دليل على ما يمكن أن تسفر عنه سياسة الوضوح والواقعية "، جريدة الاتحاد الاشتراكي ، العدد 716/12، بتاريخ 14/12/2020، ص 3

[22]  حميد ملاح : " مسار تطور قضية الصحراء في عهد الملك محمد السادس"، مرجع سابق ،ص 432

[23]  حميد ملاح : " مسار طور قضية الصحراء في عهد الملك محمد السادس"، مرجع سابق ،ص 433