التعرض المنصب على الحقوق المعلنة أثناء مسطرة التحفيظ
أحمد لعسيري
طالب باحث بسلك
الدكتوراه
المقدمة:
إن إخضاع العقار لنظام التحفيظ العقاري يمر عبر إيداع طلب للتحفيظ الذي يغير وضعية العقار من عقار غير محفظ الى عقار في طور التحفيظ[1]، وهو ذلك العقار الذي قدم بشأنه مطلب التحفيظ قصد إخضاعه لجملة من الاجراءات التي ترمي إلى تحفيظه ولم يصدر قرار التحفيظ بشأنه بعد، فمرحلة العقار في طور التحفيظ تبتدئ من إيداع مطلب التحفيظ وتنتهي بمجرد تأسيس الرسم العقاري له[2]
.وخلال هذه المرحلة يمكن أن يكون العقار موضوع تصرفات
وعمليات قانونية ومادية أي أن إيداع مطلب التحفيظ ليس من شانه أن يمنع انتقال
العقار وتحمله لمختلف التصرفات[3]، وقد نظم
المشرع المغربي الإجراءات القانونية الكفيلة بالحفاظ على الحقوق الواردة على
العقار في طور التحفيظ وإشهارها عبر المسطرتين المنظمتين في الفصلين 83 و84 من
ظهير التحفيظ العقاري[4]، بهدف
تأمين ما يرد عليه من تصرفات، والحقوق المنبثقة عنها، وضمان الاحتجاج بها في
مواجهه الغير[5]، وذلك
لتمكين هذا العقار من التداول بما يساهم في إدماجه في الدورة الاقتصادية لتحقيق
التنمية[6].
اللهم إلا إذا تمت المنازعة
في هذه التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ فإن الأمر يقتضي من المنازع
سلوك مسطرة التعرض، هذا الأخير يعتبر ميزة من مميزات نظام التحفيظ العقاري وأحد
دعائم نظام الإشهار العقاري، ووسيلة من وسائل تطبيق مبدأ التطهير المسبق للحقوق
المزمع تحفيظها أو تقییدها، حيث يمكن تعريفه، بأنه وسيلة قانونية تمكن صاحبها من
المنازعة في العقار المطلوب تحفيظه من أجل المطالبة بحق الملكية أو مداه أو حدوده،
أو بإحدى الحقوق العينية الأخرى القابلة للتقييد في الرسم العقاري.
وباعتبار التعرض لا يقتصر
نطاقه على الملك قيد التحفيظ، بل يشمل حتى الحقوق المكتسبة أثناء جريان المسطرة،
فإن المشرع أجاز لمن تضرر منها المنازعة بشأنها داخل آجال محددة، سواء تم إشهارها
بمقتضى الخلاصة الإصلاحية أو بواسطة مسطرة الإيداع.
ونظرا لأهمية الموارد التي يمكن أن نجنيها من إدخال
العقار في طور التحفيظ في الدينامية الاقتصادية وذلك باستغلاله في المشاريع ذات
البعد التنموي والاستثماري، فقد أولى المشرع المغربي أهمية كبرى لتدبير المنازعة
في الحقوق الواردة عليه من خلال تنظيم
مسطرة التعرض على الحقوق المعلنة أثناء مسطرة التحفيظ بموجب أحكام الفصلين 83
عندما يتعلق الأمر بالتعرض على حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الاقرار به أثناء مسطرة
التحفيظ عن طريق الخلاصة الاصلاحية، وكذا الفصل 24 في حالة المنازعة في حق وقع
الاعلان عليه أو تم إيداعه طبقا للفصل 84 من القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ
العقاري من أجل حماية وضمان حق المتعرض في منازعة المتدخل أو المستفيد من حق تم
التصريح به أو نشره خلال مسطرة التحفيظ
للمحافظة عليه من أثر سيف التطهير وبالتالي تحصينه من قاعدة الأثر التطهيري.
وبالرغم من وجود قواعد قانونية تنظم وتؤطر التعرض المنصب على
الحقوق المعلنة أثناء مسطرة التحفيظ إلا أنه يطرح صعوبات عديدة على مستوى التطبيق
العملي، ما أدل على ذلك عدد النزاعات التي تشغر محاكم المملكة مما يدفعنا للتساؤل
حول الإشكالات التي تطرحها مسطرة المنازعة في الحقوق المعلنة خلال مسطرة التحفيظ
والتي من أهمها التضارب الحاصل بخصوص سكوت المشرع عن أجل التعرض على مسطرة
الايداع؟
ولمحاولة الجواب عن هذه
الاشكالية وغيرها من الأسئلة القانونية يمكن اقتراح التصميم التالي:
المطلب الأول: التعرض على الحقوق المعلنة بمقتضى الخلاصة الإصلاحية
المطلب الثاني:
التعرض على مسطرة الإيداع
المطلب الأول:
التعرض على الحقوق المعلنة بمقتضى الخلاصة الإصلاحية
يعد الأثر النهائي والتطهيري
لقرار التحفيظ من أهم أسس نظام الحفيظ العقاري، لهذا كان من المنطقي استعمال وسائل
الإعلان عن الحقوق الناشئة خلال مرحلة التحفيظ وتمكين ذوي المصلحة من التعرض الفقرة
الأولى ولما كان احتمال الحكم بصحة التعرضات بعد إحالة الملف على المحكمة واردا،
نجد أن المشرع قد بين المسطرة اللازمة لإشهار الحقوق المحكوم بصحتها الفقرة
الثانية.
الفقرة الأولى: مسطرة التعرض على الخلاصة
الإصلاحية
يجد التعرض على الحقوق المنشورة سنده في الفقرة
الرابعة من الفصل 83 من القانون رقم 14.07 بحيث:
"...إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد نشره من جديد ليفتح أجل شهرين للتعرض، يبتدئ من تاريخ
الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به. وفي هذه
الحالة لن تقبل إلا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق
المذكور.."
ومفاد ذلك أنه يترتب على نشر
الخلاصة الإصلاحية لإشهار الحقوق الناشئة أو المعدلة أثناء جریان مسطرة التحفيظ
كذلك فتح باب التعرضات، لكي يتسنى لمن ينازع المستفيد في الحق الناشئ أو المعدل
أثناء جريان المسطرة تقديم تعرضه ضدها خلال أجل شهرين اثنين، تبتدئ من يوم نشر
الخلاصة الإصلاحية والإعلان عن انتهاء التحديد أو الإعلان الجديد عن انتهاء
التحديد بالجريدة الرسمية.[7] شريطة أن تكون هذه
التعرضات منصبة على الحقوق موضوع مسطرة النشر فقط، وذلك طبقا لما هو منصوص عليه في
الفقرة الرابعة من الفصل 83 من ظ ت ع.[8]
أما من حيث مسطرته فإنها لا
تختلف عن مسطرة التعرض العادي بصفة عامة سواء من حيث إمكانية تقدمه بطلب كتابي أو
شفوي إلى المحافظ، وأداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، طبقا للفصل [9]25 من ظهير
التحفيظ العقاري.
والتعرض على الخلاصة
الإصلاحية يمارس من طرف الغير ضد المودع أو المستفيد من الخلاصة الإصلاحية وليس ضد
طالب التحفيظ الأصلي، وبذلك فإن أطرافه تختلف عن أطراف التعرض العادي الذين هم
المتعرض الغير عن التحفيظ وطالب التحفيظ والحال أن أطراف التعرض على الخلاصة الإصلاحية
هم المتعرض على الحق المعلن من جهة والمودع للحق موضوع مسطرة الخلاصة الإصلاحية من
جهة اخرى[10].
أما نطاقه، فالملاحظ أن
المشرع لم يترك باب التعرض مفتوحا، بل حصر ذلك في الحقوق المعلن عنها بمقتضى
الخلاصة الإصلاحية، أما غيرها فلا يمكن التعرض عليها إلا استثناء طبقا للفصل 29 من
قانون التحفيظ العقاري، مما يحمل المحافظ مسؤولية تفحص المستندات المدلى بها خلال
مسطرة النشر قصد التأكد من مطابقتها للحقوق التي طالها التعديل أو التغيير[11].
أما عن الجهة المختصة للبت في التعرض على
الخلاصة الإصلاحية فإنها لا تختلف عن الجهة المختصة للبت
في التعرض على مطلب التحفيظ بصفة عامة[12]،
حيث أن المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها العقار موضوع مطلب
التحفيظ هي المختصة مكانيا للبت في ذلك التعرض. والمحكمة وهي تفصل في هذا النوع من التعرض، تعتبر المتعرض مدعيا وهو الملزم بالإثبات، والمستفيد يعتبر مدعى عليه.
وتجدر الإشارة إلى أن الذي يميز التعرض ضد الحقوق
الناشئة أو المعدلة أثناء جريان مسطرة التحفيظ على
التعرض ضد مسطرة التحفيظ المنظم في الفصل 24 المذكور، أن المشرع حدد نطاق الحقوق المسموح التعرض عليها في مسطرة الخلاصة الإصلاحية.[13]
ونشير إلى أن المحافظ بعد
تأكده من جدية التعرض على الخلاصة الإصلاحية، ومراقبته لكافة إجراءاته القانونية
يقوم بتجزيء المسطرة ويحفظ الجزء الذي لم يشمله النزاع بعد إجراء تحديد تكميلي،[14] مع إحالة
الملف في شقه الآخر على المحكمة.
الفقرة الثانية: آثار الحكم الصادر بصحة التعرض
تلعب المرحلة القضائية دورا
حاسما في حياة العقار في طور التحفيظ، إذ خلالها تصفى التعرضات وتتحدد ملكية طالب التحفيظ والحقوق المترتبة
عنها بمقتضى حكم يصدر بصحة أو عدم صحة التعرض، على أن تنفيذ هذه الأحكام تعتريها
بعض الخصوصيات على مستوى جهة تنفيذها المتمثلة في المحافظ العقاري.
ومن المستجدات المرصودة في
هذا الإطار، ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري
التي جاء فيها: "يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بالإعلان عن الحقوق
المحكوم بها، وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في الفصل 83".
حيث استحدث المشرع مسطرة
خاصة بإشهار الحقوق المحكوم بصحتها[15] والتي
تتميز بالسرعة والفعالية، عوض التعقيدات التي كانت تعتري المسطرة السابقة من وجوب
تقديم مطلب جدید ونشره لمدة أربعة أشهر في الجريدة الرسمية، وما يستتبع ذلك من
إجراءات تطيل عملية التحفيظ.
إلا أن البعض[16] يرى أن
عبارة الحقوق المحكوم بها تقتصر فقط على الحقوق التي صدر الحكم بصحتها بعد تقديم
كل طرف حججه ومستنداته ومناقشتها، أما التعرض المقر به فقد بينت الفقرة الرابعة من
الفصل أعلاه الإجراءات التي تقوم بها المحكمة، حيث تتولى الإشهاد على ذلك مع إحالة
المف على المحافظ الذي يتابع مسطرة التحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم.
وعليه لا يلزم المتعرض كأصل
بالإعلان عن الحقوق المشهود بصحتها عبر الخلاصة الإصلاحية، كما أنه لا يمنع من
ذلك، بل له مطلق الصلاحية في الاختيار بينها وبين مسطرة الإيداع وفق ما تقتضيه
مصلحته.
لكن، إذا كان المحافظ غير
ملزم بنشر خلاصة اصلاحية بالحقوق المقر بها، فهل ينطبق نفس الحكم على الحقوق
المحكوم بصحتها؟ بمعنى آخر، هل يبادر المحافظ بنشرها تلقائيا تنفيذا للأحكام
القضائية الصادرة بصحة التعرضات؟ أم أن الأمر يقتضي تقديم طلب في الموضوع؟
يرى بعض الباحثين[17] في معرض
جوابهم عن هذا التساؤل، أن مسطرة الخلاصة الإصلاحية تلقائية وإلزامية لا تشترط
تقديم طلب أو موافقة، وبالتالي إعفاء المحكوم لصالحه من أداء رسوم نشرها طالما أنه
لا يطالب بها.
وهناك[18] من يعتبر
هذه المسطرة وعن حق معلقة على طلب المتعرض المحكوم له، طالما أنها لا تباشر كأصل
إلا بتقديم طلب من المعني بالأمر. ويضيف أحد الباحثين[19]، أن
المحافظ باعتباره جهة تنفيذية للأحكام القضائية الصادرة بشأن التعرضات، لا يمكنه
الإعلان عن الحقوق المحكوم بها طبقا للفصل 83 إلا بعد تقديم طلب في الموضوع، مرفقا
بشهادة عدم الاستئناف والنقض باعتبار أثره الموقف للتنفيذ، لذلك لن يبادر إلى
نشرها تلقائيا .
خلاصة القول، أن المشرع ومن
خلال ما سبق استطاع إلى حد ما التوفيق بين الأطراف المتدخلة في مسطرة التحفيظ، حيث
منح المتضرر من حق دون إعلانه عبر الخلاصة الإصلاحية مكنة التعرض عليه داخل أجل
يفتح خصيصا لهذا الغرض، ومتى صدر الحكم بصحة ادعاءه، كان للمستفيد الرجوع على طالب
التحفيظ بدعوى الضمان أو دعوى الاسترداد غير المستحق، على أن الموازنة بين هذه
المصالح المتعارضة غالبا ما تأتي على حساب مسطرة التحفيظ من حيث سريانها بالسرعة
والفعالية اللازمة[20].
المطلب الثاني:
التعرض على مسطرة الإيداع
إن أكبر خطر يداهم المودع هو
التعرض، لكونه يطيل مسطرة التحفيظ وينقلها من المرحلة الإدارية إلى المرحلة
القضائية، فهو يشكل وسيلة لا محيد عنها للحيلولة دون الترامي على ملك الغير[21]، وقد يعصف
أحيانا بحق المستفيد المودع أثناء سير مسطرة التحفيظ.
ويمكن تعريفه بكونه "ادعاء يتقدم به أحد من
الغير ضد طالب التحفيظ بمقتضاه ينازع في أصل حق الملكية
لطالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق، أو في حدود العقار المطلوب تحفيظه، أو يطالب
بحق عيني مترتب له على العقار، وينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر إليه في
مطلبه"[22].
إذن فالتعرض هو بمثابة وسيلة يبادر صاحب الحق إلى
ممارستها قصد المنازعة في العقار قيد
التحفيظ، ولقد أضاف القانون14/07 نوعا جديدا من
التعرض؛ يتمثل في المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل84 من ظ.ت.ع كما نص على ذلك الفصل 24 من نفس
الظهير.
لذلك سنسلط الضوء على مضمون
التعرض على الإيداع الفقرة الأولى ثم نعرض الإشكالات العملية لمسطرة التعرض على
الإيداع الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: مضمون مسطرة التعرض على الإيداع
أمام تعذر إمكانية إجراء
إيداع على إيداع متعارض، قرر المشرع مسطرة التعرض على الإيداع، ووقع التنصيص عليها
في الفقرة الأخيرة من الفصل 24 من من قانون التحفيظ العقاري بقوله:
"يمكن لكل شخص يدعي حقا
على عقار تم طلب بتحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ... في حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا
القانون".
وقد وفق المشرع في إقراره مسطرة التعرض على الإيداع،
لأن ذلك يساهم في مواجهة بعض الأوضاع التي
كانت سائدة في القانون السابق، حيث كثيرا ما كان يختفي من انتقل إليه الحق بأية طريقة مشبوهة بستار الفصل 84 من ظ ت ع[23]، نظرا لكون المستفيد
من الإيداع لا يتم إشهار حقوقه خصوصا في الحالة التي يعمد فيها
إلى اقتناء جميع العقار موضوع مطلب التحفيظ، ومع ذلك
تستمر المسطرة جارية في اسم طالب التحفيظ لكل العقار المعني[24].
وعليه، يتعين على كل من
ينازع في الإيداع أن يمارس التعرض عليه. فما هي خصوصية التعرض عن الإيداع[25]؟
يختلف التعرض على مطلب التحفيظ
عن التعرض على الإيداع، خاصة أن المشرع خص الأول بتنظيم خاص دون الثاني وسوى
بينهما في أجل ممارسته دون الجهة التي يقدم إليها.
كما يختلف أطراف دعوى
التحفيظ حيث طالب التحفيظ من جهة، والمتعرض من جهة ثانية، عن دعوى التعرض على
الإيداع حيث المودع من جهة، والمتعرض على الإيداع من جهة ثانية.
ولا يحق للمودع أن يطعن
بالاستئناف في الحكم الصادر في دعوى التحفيظ لأنه ليس طرفا فيها خلاف الدعوى
الثانية.
بحيث جاء في قرار لمحكمة
النقض :
"لكن، ردا على السبب
أعلاه، فإن أطراف قضايا المنازعة في التحفيظ العقاري هم طلاب التحفيظ من جهة
والمتعرضين من جهة أخرى، وأن المودع في إطار الفصل 84 من ظهير 1913/08/12 المتعلق
بالتحفيظ العقاري ليس له الصفة في متابعة إجراءات الدعوى، ولذلك فإن القرار المطعون
فيه حين أورد في تعليله ان المستأنف ليس طالب التحفيظ ولا متعرضا فلا صفة له في
التقدم بالاستئناف ويتعين القضاء بعدم قبوله.
فإنه يكون بذلك غير خارق
للمقتضيات المحتج بها والسبب بالتالي غير جدير بالاعتبار[26].
وتختص محكمة التحفيظ بالنظر
في دعوى التحفيظ بين طالب التحفيظ والمتعرض طبقا للإجراءات الخاصة بمسطرة التحفيظ،
حيث المتعرض في مركز المدعي في الإثبات، ولا تناقش حجج طالب التحفيظ إلا إذا أثبت
المتعرض ادعاءه بمقبول، لاستفادة طالب التحفيظ من قرينة الملكية الى حين إثبات
العكس.
وتعتبر دعوى التعرض على
الإيداع دعوى استحقاقية عادية للمطالبة بالحق المودع. وتنظرها المحكمة الابتدائية
طبقا لقواعد المسطرة المدنية خلافا لدعوی التحفيظ. ولا مانع من الفصل فيها من طرف
محكمة التحفيظ دون أن تعمل النظام القانوني الواجب الإعمال للفصل في دعوى المتعرض
في مواجهة طالب التحفيظ.
هذا ولم يشترط المشرع شكلية معينة لممارسة التعرض
العادي، إذ يمكن أن يصدر كتابيا كما يصدر
شفاهيا، وعلى نفس المنوال تستفيد مؤسسة التعرض على الإيداع من هذه المرونة على
اعتبار أن هذا النوع من التعرضات تم تضمينه في الفصل الذي حدد زمرة التعرضات أثناء
سريان مسطرة التحفيظ وهو الفصل 24 من ظ.ت.ع.
كما أنه لابد للمتعرض من أداء الرسوم القضائية وحقوق
المرافعة، أو الإدلاء بما يفيد حصوله على المساعدة
القضائية وذلك قبل أجل الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض تحت طائلة اعتبار التعرض لاغيا، والمحافظ العقاري هو
المكلف باستيفاء هذه الرسوم لفائدة المحكمة وهو الذي يلغي التعرض في حالة عدم الأداء.
وفيما يلي بعض حالات أو صور
التعرض على الإيداع[27]:
قد يعمد طالب التحفيظ الى
تفويت العقار موضوع مسطرة التحفيظ الأول بیعا والثاني هبة، ويعمد صاحب الهبة
اللاحق تاريخا في العقد الى إيداع الهبة، ويعمل المشتري إلى التعرض على الايداع
بوصف الهبة، قد انصبت ملك الغير.
كما قد يعمد أحد دائني طالب
التحفيظ على إيقاع الحجز التحفظي، والتنفيذي على العقار موضوع مسطرة التحفيظ،
والحال أن هذا الأخير قد فوت الى الغير وانتقل إليه بمقتضى محرر رسمي أو عرفي ثابت
التاريخ أنجزه محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض. ويحق لمن فوت إليه العقار في
تاريخ سابق عن إيداع الحجز، أن يتعرض عن الإيداع لوقوعه على ملك الغير من جهة،
ولأن الإيداع لا ينشئ أي مرکز قانوني للأسبق في الإيداع.
والعبرة في الإيداع بقبوله
من طرف المحافظ وتضمينه في سجل التعرضات، وإلا فلا ينزل بمنزلة الإيداع الذي يمنع
من الإيداع التالي له في التاريخ.
ونورد في هذا الصدد قرار
لمحكمة النقض جاء فيه ما يلي :
حيث صح ما عابه الطاعنون على
القرار، ذلك أنه اعتمد في قضائه على أن
"كتاب المحافظ عدد 254 م.م 44 وتاريخ 23-3-2000 يفيد تقديم طلب تقييد الصدقة
بالمطلب عدد 44/5480 بتاريخ 21-2-2000. وأن طلب إيداع محضر الحجز لم يتم ايداعه
إلا بتاريخ 10-3-2000، وهو ما يفيد أن طلب تقييد رسم الصدقة سابق من حيث تاريخ
إيداعه على تاريخ طلب إيداع محضر الحجز التحفظي". في حين أن كتاب المحافظ
المشار إليه وإن كان يفيد ما ذكر في أوله فهو ينص في آخره على أن تقييد عقد الصدقة
المذكور يتوقف على صدور المرسوم المتعلق بالمصادقة على المنطقة المذكورة تطبيقا
لظهير ضم الأراضي رقم 1-62-105 الصادر في 30-6-1962. ولذلك اعتبر المجلس الأعلى في
قراره للنقض أعلاه أنه ليس في مستندات الملف ما يفيد إيداع عقد الصدقة بالمطلب
الأمر الذي يعتبر القرار المطعون فيه
بالنقض حاليا خارقا لمقتضيات الفصل 369 المشار إليه مما عرضه بالتالي للنقض
والإبطال[28].
الفقرة الثانية: إشكالية أجل التعرض على الإيداع
إذا كان المشرع قد عمل على تنظيم مقتضيات التعرض على
مسطرة الإيداع في الفصل 24 من ظ.ت.ع فإن تطبيقه
يطرح إشكالا على مستوى تحديد أجل التعرض.[29] وهكذا فإن أجل التعرض على الحقوق المودعة طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع هو شهران ابتداء من نشر الإعلان عن انتهاء التحديد طبقا للفصل 27 من نفس الظهير، وهذا يعني أن الحقوق المودعة في إطار الفصل 84 بعد مرور شهرين على نشر الإعلان عن
انتهاء التحديد تكون محصنة[30] ضد التعرض
عليها إلا في حالة قبول التعرض الاستثنائي
طبقا للفصل 29 من ظ.ت.ع.
لكن تطبيق هذه المقتضيات المتعلقة بأجل التعرض على
هذه الحالة الجديدة من حالات التعرض يتناقض
مع مقتضيات إيداع الحقوق طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع ذلك أن إيداع هذه الحقوق لا يرتبط بأجل التعرض المحدد في شهرين من الإعلان
عن انتهاء التحديد، بل إنه يمكن لكل شخص يتوفر على حق من
الحقوق أن يودع حقه في مطلب ضد إيداع هذا المطلب بالمحافظة العقارية إلى
حين تحفيظ العقار وتأسيس رسم عقاري له[31].
ويؤكد أحد الباحثين[32]،
على أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في هذا المقتضى الجديد المتعلق بإمكانية التعرض على الحقوق المودعة طبقا للفصل 84 لأنه تعامل معها بنفس الطريقة المقررة للحالات الأخرى ولم ينتبه
إلى خصوصية هذه الحقوق وإمكانية التعرض
عليها على مستوى تحديد أجل ممارسة هذا التعرض.
إلا أن هناك من يرى أن مسطرة التعرض على الإيداع ما
كانت ضرورة تشريعية ما دام أن بإمكان المنازع أن يودع دعواه بوصفها دعوى
عينية خاضعة للإشهار في المطلب طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع[33].
فمسطرة التعرض على الإيداع بتنظيمها الحالي غير كافية لبلوغ الغايات التي شرعت من أجلها، وما يؤكد ذلك أن الحماية التي توفرها
لذوي المصلحة قاصرة على فترة الشهرين من تاريخ الإعلان عن
انتهاء التحديد، حيث يصبحون بعد انصرامها تحت رحمة المحافظ الذي قد يقبل
تعرضهم الاستثنائي أو يرفضه بقرار نهائي حسب الأحوال، أما القول بأن
للأغيار إمكانية صيانة حقوقهم عبر إيداع الدعاوى المثارة بشأنها طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع فهو محل نظر على اعتبار أن أية منازعة في العقار في طور التحفيظ
يجب أن تأتي في شكل تعرض.[34]
إذ يرى أحد الباحثين[35] على أنه يتعين أن يبتدئ أجل التعرض على الإيداع من يوم إيداع مطلب التحفيظ
إلى حين إصدار قرار التحفيظ على اعتبار أن هذه الحقوق يمكن إيداعها من تاريخ إيداع
مطلب التحفيظ إلى حين صدور قرار التحفيظ.
وبالتالي فإن التعرض عليها يظل ممكنا كلما تم إيداعها. وما دام أن المشرع سمح بإمكانية إيداعها بعد فوات أجل التعرض فإنه من المنطقي قبول التعرض عليها ولو بعد فوات أجل التعرض لأنها لم تودع في مطلب التحفيظ إلا بعد فوات هذا الأجل[36].
ويبقى الحل الجدري هو مراجعة الفصل 84 من ظ.ت.ع والتنصيص على إمكانية إشهار
الحقوق العينية المعلنة بموجبه للعموم حتى يتم الإعلام بها، وإمكانية التعرض عليها لأن بدون آلية الإشهار فإنه لا يمكن ممارسة التعرض
لغياب إمكانية العلم بالإيداع أصلا والنص على إمكانية
التعرض على الحقوق المودعة في فصل خاص وفق مقومات
خاصة به لأنه ذو خصوصيات.[37]
وختاما، من الأكيد أن الأثر النهائي والتطهيري لقرار التحفيظ يعد من أهم أسس نظام الحفيظ
العقاري، لذلك كان من المنطقي جدا استعمال وسائل الإعلان عن الحقوق الناشئة خلال
مرحلة التحفيظ وتمكين ذوي المصلحة من منازعة المستفيد من حق في مرحلة التحفظ عن
طريق التعرض.
[1] عبد العالي دقوقي: التقييدات الواردة على مطلب
التحفيظ في إطار الفصل 84
من
ظهير التحفيظ العقاري، مجلة القضاء المدني المنازعات العقارية، الجزء الثاني، العدد 9،
سنة 2014، ص 125.
[2] أحمد أجعون، حماية التصرفات الواردة على العقار
في طور التحفيظ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2018، الطبعة الأولى، ص 5.
[3] المرجع السابق، ص 5.
[4] عبد العالي دقوقي، التقييدات الواردة على مطلب
التحفيظ في إطار الفصل 84
من
ظهير التحفيظ العقاري، م س، ص 125.
[5] خير الدين الطاوس، إشهار الحقوق المكتسبة خلال
مسطرة التحفيظ وآثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر، الرباط، 2015،
الطبعة الأولى، ص 14.
[6] أحمد أجعون، م س، ص 6.
[7] محمد بن الحاج
السلمي : سياسة التحفيظ العقالري في المغرب بين الإشهار العقاري والتخطيط
الإقتصادي، م س، ص78.
[8] عبد العالي لعديري: "الحماية القانونية
للأطراف المتدخلة في مسطرة التحفيظ العقاري –الإشهار العقاري نموذجا"، أطروحة
لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، مختبر
الأنظمة المدنية والمهنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة،
جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 20162017، الصفحة 65.
[9] نص الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي
: «تقدم التعرضات عن طريق تصریح كتابي أو شفوي إما للمحافظ على الأملاك العقارية
وإما للمهندس الطبوغرافي المنتدب أثناء إجراء التمديد وتضمن التصريحات الشفوية
للمتعرض بحضوره في محضر يحرر في نسختين تسلم إليه إحداها».
[10] حدو معسو: حماية الحقوق الواردة على مطلب
التحفيظ عن طريق مسطرتي النشر والإيداع طبقا للفصلين 83 و84 من ظهير التحفيظ
العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العقار والتعمير، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية مكناس، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، السنة الجامعية 20152014،
ص126.
[11] خير الدين الطاوس: إشهار الحقوق المكتسبة
خلال مسطرة التحفيظ وآثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر، الرباط، 2015،
الطبعة الأولى، ص 94.
[12] حدو معسو: م س، ص 129.
[13] هشام نوبي: التصرفات الجارية على العقار في طور
التحفيظ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، جامعة الحسن الثاني عين الشق بالدار البيضاء،
السنة الجامعية: 20102011، ص 77.
[14] : أحمد أجعون: خصوصية التعرض على
مسطرة التحفيظ من خلال اجتهادات القضاء، مجلة الحقوق، العدد 13، ماي دجنبر2012، ص
43 وما يليها.
[15] أحمد أجعون: م س، ص58.
[16] خير الدين الطاوس، م س، ص 106.
[17] أحمد أجعون: المقتضيات
الجديدة المتعلقة بالتعرض على مسطرة التحفيظ، مجلة الحقوق –سلسلة الأنظمة
والمنازعات العقارية، الإصدار السادس، م س، ص 58.
[18] عمر ازوكار: مستجدات
التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 ومدونة الحقوق العينية، منشورات دار القضاء بالمغرب، 2012، الطبعة
الأولى، ص 158.
[19] خير الدين الطاوس: م س، ص
158.
[20] خير الدين الطاوس: م س،
ص 111.
[21] عبد القادر بوبكري: التعرضات على مسطرة التحفيظ
في ضوء مستجدات القانون رقم 0714، مجلة المنبر القانوني، عدد 1، ماي 2012، ص 101.
[22] المختار ابن أحمد العطار، التحفيظ العقاري في ضوء
التشريع المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة
2014، ص 90.
[23] عمر السكتاني: الجوانب الإجرائية لمسطرة التعرض في
نظام التحفيظ العقاري الجديد دراسة في تطور الاجتهاد القضائي المغربي"، مقال منشور
بمجلة الملف، العدد 21،
أكتوبر
2013، ص6162 .
[24] سعيدة بن عزي: التعرض على التحفيظ بين البعد
الحمائي والاستعمال التعسفي على ضوء القانون رقم 14.07، مجلة الحقوق –قراءات في القوانين
العقارية الجديدة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2013، ص97 .
[25] عمر أزوكار: م س، ص 415.
[26] قرار محكمة النقض عدد 3049 المؤرخ في: 03082010
ملف مدني عدد 433012008 غير منشور.
[27] عمر أزوكار، م س، ص 50.
[28] قرار محكمة النقض عدد 667 المؤرخ في: 932005 ملف
مدني عدد 4088112003 غير منشور.
[29] عبد الغني بولنوار: مسطرة الإيداع والتعرض
عليها وفق الفصل 84
من
ظهير التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقاري،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، جامعة محمد الأول وجدة،
السنة الجامعية 20142013، ص 69.
[30] نبيلة الراصفي: مسطرة الإيداع في
ظهير التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات القانونية
والعقارية، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض بمراكش، السنة الجامعية 20182019،
ص 94.
[31] هشام عليوي، التعرض على الحقوق المودعة في إطار
الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري
على ضوء مستجدات القانون 14.07، مجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، الجزء
الأول، الطبعة الأولى، السنة 2013، ص 158.
[32] هشام عليوي، م س، ص 15.
[33] عمر أزوكار: التعرض على مسطرة الإيداع، مقال منشور
بمجلة المنبر القانوني، العدد الأول، 2011، ص 38.
[34] خير الدين الطاوس، إشهار الحقوق المكتسبة خلال
مسطرة التحفيظ وآثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة
الأولى 2015، ص9899 .
[35] هشام عليوى، مرجع سابق، ص160 .
[36] نبيلة الراصفي: م س، ص 96.
[37] نبيلة الراصفي: م س، ص 97.