مقومات العدالة الاقتصادية في تحسين مناخ الاعمال و تشجيع الاستثمار بالمغرب

 



مقومات العدالة الاقتصادية في تحسين مناخ الاعمال و تشجيع الاستثمار بالمغرب

محمد ادريسي حسني

طالب باحث في سلك الدكتوراه

جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء - كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالمحمدية .

ملخص :  لقد اصبح الهاجس وراء توفير مناخ جيد للأعمال هو تحديث العمل القضائي قصد المساهمة التي لم تعد منحصرة في الفصل في المنازعات ، بل لقد عهد لها ضمان المعايير الأساسية لتوفير الاطمئنان للمستثمرين على أموالهم و ممتلكاتهم ، تماشيا مع التحولات الطارئة على المعاملات التجارية و مع متطلبات فض النزاعات المرتبطة بهذه المعاملات التجارية و فق الشكل الذي يضمن الحفاظ على المصلحة الاقتصادية العامة .

فالعدالة تعد من المفاتيح المهمة في مجال تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المبادرة الحرة وحماية المقاولة، فإن القضاء مدعو للقيام بدوره الأساس في مواكبة هذا المسار، واستيعاب تحديات الظرفية الاقتصادية العالمية والمناخ الاقتصادي الوطني، وهو ما يقتضي تحديث التشريعات المحفزة، بل يقتضي أيضا توفير الضمانات القانونية والاقتصادية، الكفيلة بتحقيق الثقة في النظام القضائي، وتوفير الأمن الكامل للمستثمرين.

Abstract :The obsessed behind providing a good climate for business is to update the judicial work, which is no longer an integral contribution to disputes. It has been entitled to ensure the basic criteria for providing reassurance for investors and their property, in line with emergency transitions on trade transactions and related requirements Related to these commercial transactions and format which ensures maintaining the general economic interest.

Justice is one of the important keys in improving the investment climate and promoting the Free Initiative and the Protection of the Contracting, the judiciary is invited to play the basis in keeping up with this path, and absorbing the challenges of global economic and economic economic climate. Also provide legal and economic safeguards, to achieve confidence in the judicial system and provide full security for investors.

مقدمة:

ان ترسيخ التنمية الاقتصادية و حمايتها ، هو وجود عدالة آمنة و ضامنة لكل الأنشطة التجارية ، بحيث تعتبر العدالة من المفاتيح المهمة في مجال تشجيع الاستثمار ، فهي دعامة أساسية للتنمية   و إضافة نوعية إلى الطاقة الإنتاجية من أجل زيادة الثروات لما في ذلك من أثر في إشباع الحاجات وتوفير الخدمات، كما أن تحقيق الأمن القانوني و القضائي يساهم ايجابيا في ذلك، فالمستثمر سواء كان وطنيا أو أجنبيا، ومهما بلغت المبادرات التشجيعية فلن يغامر إلا إذا تحقق من وجود قضاء مستقل وفعال يترجم النصوص بما يحقق العدل و الانصاف و المساواة ،  وقد عبر عن ذلك المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله في قوله :" لا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي إذا لم يكن ذلك المال عارفا بأنه في مأمن من الشطط وسوء الفهم فالقضاء أصبح ضرورة للنماء".

    وبهذا يشكل القضاء أهم مرفق من المرافق العمومية التي حظيت بالاهتمام منذ الحصول على الاستقلال. والملاحظ أن دور لم يعد ينحصر في فض النزاعات بين الطرفين أحدهما ظالم والآخر مظلوم، بل أصبح يلعب دورا مهما في تحقيق التنمية الشاملة وترسيخ دولة الحق والقانون.

    وهذا ما تضمنه جزء من الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمؤتمر مراكش الدولي حول "العدالة و الاستثمار " ، بحيث جاء في أحد أجزائها  :" إن خلق قضاء آمن للاستثمار بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والإدارية والهيكلية، يفرض علينا جميعا اليوم، بذل المزيد من الجهود في اتجاه ترسيخ دولة القانون، وتعزيز استقلال السلطة القضائية، ودعم التنبؤ القانوني، وتأهيل الفاعلين في المجال القضائي، وتطوير الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها، من خلال مقاربة شمولية مندمجة، تتعامل مع قضايا الاستثمار في مختلف جوانبها، المرتبطة بالقوانين التجارية والبنكية، والضريبية والجمركية، والعقارية والتوثيقية والاجتماعية، وتستحضر الأبعاد الدولية والتكنولوجية التي تفرضها عولمة التبادل التجاري والمالي والاقتصادي عبر القارات" .[1]

    بحيث تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن  دور القضاء في حماية الاستثمار ، و هو ما ينم عن درجة الوعي بأهمية السلطة القضائية باعتبارها القاطرة التي يعول عليها لقيادة ركب التنمية .[2]

     و عليه أصبح القضاء لا يلعب الدور التقليدي المنوط له بفض النزاعات بل اصبح  يمارس وظيفة      و سلطة اقتصادية مهمتها الأولى ضمان وصيانة التنمية الشاملة  ، لهذا فدراسة هذا الموضوع يدفعنا الى طرح اشكالية أساسية  تتمثل في :

 الى أي حد استطاع المشرع المغربي من وضع مقومات للعدالة الاقتصادية ، و دورها في تحسين مناخ الاعمال من جهة و تشجيع الاستثمار من جهة أخرى ؟

   إذن فمعالجة هذا الموضوع  و للإجابة عن هذه  الإشكالية ، ارتئينا الى تقسيم هذا الموضوع من خلال مقاربة ثنائية في مبحثين ، سنتطرق في المبحث الأول للحديث عن المحاكم التجارية ، بحيث سنخصص المبحث الثاني للحديث عن الدور التي تلعبه المحاكم المالية و ارتباطها بالمحاكم الإدارية في مجال تحسين مناخ الاعمال.

المبحث الأول : المحاكم التجارية

فمن المعلوم ان المنازعات المتعلقة بالقضايا التجارية و نظرا لتشعب القضايا تبعا للتطور الحاصل في الميدان التجاري و الاقتصادي و المالي فقد اصبح من اللازم إيجاد قضاء تجاري له قضاته المكونين خصيصا لهذه الغاية و له محاكمه المتخصصة و المستقلة بهياكلها و اختصاصاتها و آليتها ، و لتحقيق هذه الاستقلالية ، بصدور قانون رقم 95-53 يقضي بإحداث محاكم تجارية تقوم على خصائص و مميزات التي تساهم بدون شك في تحقيق جانب مهم من الأهداف المتوخاة من الإصلاحات القانونية ،   و التي ستساعد على ضمان الإئتمان و الثقة و السرعة التي تعتبر من متطلبات العمل التجاري ، و من تم جلب الاستثمارات التي ستعمل على إقرار نظام اقتصادي قوي يواجه تحديات الأنظمة العالمية المتقدمة في تحسين مناخ الاعمال و تشجيع الاستثمار ، لدى لبدى من دراسة ماهية المحاكم التجارية  المطلب الأول ،للانتقال بعد ذلك  للحديث عن اهم اختصاصات هذه المحاكم و الإجراءات المتبعة امامها المطلب الثاني.

المطلب الأول : ماهية المحاكم التجارية

و لبد في تحديد ماهية المحاكم التجارية الى التطرق الى طبيعة هذه المحاكم و طرق احداثها الفقرة الأولى  ثم لا بد من تحديد مكونات هذه المحاكم الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى : طبيعة و احداث  المحاكم التجارية

تشكل المحاكم التجارية  تلك اللبنة الأساسية ، لحماية مجال المال و الاعمال ، و لتعريف بهذه المحاكم المتخصصة بالمغرب ، يجب تحديد طبيعتها القانونية في ظل التنظيم القضائي أولا ، ثم لبدى و ان نتطرق الى كيفية احداث هذه المحاكم ثانيا .

أولا : طبيعة المحاكم التجارية

ويمكن تحديد طبيعة المحاكم التجارية ، بكونها محاكم استثنائية ، متخصصة ، ذات طبيعة غير جزرية ، و ذات تكون احادي .

- المحاكم التجارية محاكم استثنائية   juridiction D’exception : يذهب بعض الفقه [3]، الى ان المحاكم التجارية ، محاكم استثنائية  ، لأن اختصاصها محدد  و مقيد و محصور بنص القانون  ،  و هناك من ذهب خلاف ذلك ، بقولهم [4] أن المحاكم التجارية هي محاكم عادية ، كما يقضي بذلك الفصل 1 من التنظيم القضائي للمملكة ، و ليست محاكم استثنائية ، بل انها محاكم عادية متخصصة في المادة التجارية ، و قضاتها متخصصون ، و المحاكم المتخصصة -بطبيعتها- لا يمكنها أن تنظر إلا في النزاعات التي أسند إليها المشرع بمقتضى قانون إحداثها .

-المحاكم التجارية محاكم متخصصة  juridiction spécialisée  : فهي محاكم متخصصة او محاكم نوعية لأنها تختص بنوع او تخصص معين من القضايا و هي القضايا التجارية ، غير أن  ذلك لا يعني احتكارها المطلق للبث في القضايا التجارية ، فمن المنازعات ذات الطبيعة التجارية ما تختص به غيرها من المحاكم ، كالمحاكم الابتدائية ، و من المنازعات ذات الطبيعة المدنية ما تختص به المحاكم التجارية بنص القانون لكن لا يخرج عن كونه استثناء من القاعدة .

- المحاكم التجارية محاكم ذات طبيعة غير زجرية  juridiction non répressive   :  فالمحاكم التجارية هي محاكم ذات طبيعة غير زجرية لأنه ليس من اختصاصها البت في القضايا الجنائية ، و قد و قع في بداية الأمر لبس بشأن طبيعة المحاكم بسبب وجود النيابة العامة بها  غير أن وجود النيابة العامة بهذه المحاكم لا يضفي عليها طابعا زجريا جنائيا ، ذلك أن مجال تدخلها لا يتعدى الجانب المدني التجاري ، فربما نجد اللبس في ما نصت عليه المادة 5 من قانون 95-53 عند تطرقها الى قضايا حوادث السير ، و التي قد يفهم منها انها تشمل الدعوى العمومية الزجرية بينما الصحيح ان المقصود بها دعاوى التعويض عن حوادث الشغل .

-المحاكم التجارية محاكم ذات تكوين أحادي juridiction à composition unitaire : تعتبر المحاكم التجارية ذات تكوين أحادي لأن قضاتها من صنف واحد ، ذلك انهم كلهم قضاة معينون نظاميون يخضعون للنظام الأساسي لرجال القضاء .

فالتكوين الأحادي لقضاة المحاكم هي القاعدة بالنسبة للتنظيم القضائي المغربي ، على أنه استثناء من هذه القاعدة تتشكل هيئة الحكم في منتخبين يمثلون الاجراء و المؤاجرين بالتساوي [5] كما نص عليه  الفصل 270 الفقرة الأول  منه و الفصل 271 من قانون المسطرة المدينة  .

ثانيا : احداث المحاكم التجارية :

ان احداث المحاكم التجارية بالمغرب قد تولته الجهة المختصة قانونا و دستوريا بهذا الاحداث ، و يشمل هذا الاحداث بيان عدد و مقار و دوائر نفوذ هذه المحاكم ، و سيتم معالجة هذا الامر على النحو التالي :

-الجهة المختصة بالإحداث : ان احداث المحاكم التجارية تم بمقتضى قانون صادر عن السلطة التشريعية ، و لقد اعطي له رقم 95-53.

و لقد جاءت الفقرة الأولى من المادة 1 من قانون احداث المحاكم التجارية صريحة بهذا الشأن بقولها : "تحدث بمقتضى هذا القانون محاكم تجارية و محاكم استئنافية تجارية ".

-عدد و مقار و دوائر نفوذ المحاكم التجارية : لقد تكفل قانون احداث محاكم تجارية بتحديد هذه المحاكم ، و كذا دوائر نفوذها و مقارها .

عدد المحاكم : لقد تقرر بمقتضى مرسوم رقم 2.97.771 الصادر في 25 من جمادى الآخرة 141828 أكتوبر 1997 و طبقا للمادة الأولى من هذا المرسوم بإحداث 8 محاكم تجارية ابتدائية و هي :  الرباط ،الدار البيضاء ،فاس ، مراكش ، طنجة ، اكادير ، وجدة ، مكناس .

وتم تحديد محاكم الاستئناف التجاري بمقتضى المادة الأولى من المرسوم السابق و ذلك بإحداث 3 محاكم للاستئناف التجارية وهي : الدار البيضاء ، فاس ، مراكش  .

دوائر النفوذ :  لقد تم ربط دوائر نفوذ المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية بالتقسيم الجهوي استنادا لمقتضيات الفقرة 2 من المادة 1 من قانون المحاكم التجارية و التي أقحمت فيه كلمة "الجهات " ، أي أن ربط المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية من حيت احداثها و دوائر نفوذها بالجهات ربط يؤكد تبعية التقسيم القضائي للتقسيم الإداري و ينقل التبعية ، من مستوى الأقاليم على صعيد المحاكم الابتدائية ليجعلها على مستوى الجهة بالنسبة للمحاكم التجارية .

المقار : حددت مقار المحاكم التجارية بمدن معينة هي : الرباط ، الدار البيضاء ، فاس ، طنجة ، أكادير ، وجدة ، مراكش ، مكناس ، بينما اكتفى بإحداث محاكم استئناف تجارية بثلاث مدن هي : الدار البيضاء ، مراكش ، فاس .

و يتبين من قانون احداث المحاكم التجارية ان اختيار هذه المدن بذاتها كمقار خضع لمعايير ثلاثة هي عدد القضايا التجارية الرائجة بالمحاكم ، تمركز المؤسسات التجارية ، أهمية النشاط التجاري .

و يلاحظ أن المعيار الأول غير دقيق الى حد بعيد نظرا لكون المحاكم لا تتبع منهجا احصائيا موحدا لتصنيف القضايا و تتمييز القضايا المدنية عن القضايا التجارية ، فقد أظهرت التجربة امام المحاكم الابتدائية ان قضية معينة قد تصنفها محكمة ما بأنها قضية تجارية ، بينما أخرى تعتبرها قضية مدنية .

اما لمعيار تمركز المؤسسات التجارية فإنه معيار اعتمد بالأساس لترجيح اختيار مدينة الدار البيضاء كمقر  لمحكمة الاستئناف التجاري بدل مدينة الرباط .

كما قد يفهم منها أن الارتباط  الحاصل بين المحاكم التجارية و الجهات يقتصر على مقار هذه المحاكم ، أما دوائر اختصاصها فهي غير مقيدة بذلك بدليل ان الارتباط بالجهات جاء عقب لفظ "المقار" و  ليس عقب "دوائر الاختصاص " .[6]

هنا يبقى الإشكال مطروح بهذا الخصوص ، هل من الممكن ان يسمح النص بإحداث أكثر من محكمة تجارية داخل الجهة الواحدة ؟ أم أن الأمر يقتضي مستقبلا تعديلا تشريعيا بهذا الخصوص ؟ .

الفقرة الثانية : تكوين المحاكم التجارية

ينظر الى تكوين المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية من زاويتين ، زاوية تشكيلها القضائي و الأسس التي يقوم عليها هذا التشكيل أولا ، و زاوية تنظيمها الداخلي ثانيا ، و هو تنظيم يتولاه جهاز الجمعية العامة . 

أولا : أسس التشكيل القضائي :

      يقوم التشكيل القضائي للمحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية على عدة أسس أهمها : مبدأ تعيين قضاة هذه المحاكم ، و هو توجه يظهر استبعاد للأنظمة الأخرى التي تعتمدها بعض الدول في توظيف قضاة المحاكم التجارية كنظام الانتخاب ، كما يقوم على مبدأ القضاء الجماعي ، وهو منحى يبرز منه إرادة المشرع في الاستمرارية في نهجه المتمثل في جعل نظام القضاء الجماعي القاعدة الأساسية امام مختلف أنواع المحاكم ، بما في ذلك محاكم الدرجة الأولى وهو ما جاء به مقتضيات المادة 4 من قانون 95-53 المتعلق بإحداث محاكم التجارية و التي تنص على أنه :" تعقد المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية جلساتها و تصدر أحكامها و هي متركبة من ثلاثة قضاة من بينهم رئيس يساعدهم كاتب ضبط مالم ينص القانون على خلاف ذلك ".[7]

ثانيا : التنظيم الداخلي :

المحكمة الابتدائية التجارية : تتكون المحكمة الابتدائية التجارية حسب المادة 2 من قانون رقم 95-53 من:

-رئيس و نواب للرئيس و قضاة .

-نيابة عامة تتكون من و كيل الملك و نائب او عدة نواب .

-كتابة الضبط و كتابة النيابة العامة .

و تقسم المحكمة التجارية الى عدة غرف حسب الطبيعة القضايا المعروضة عليها ، غير أنه يمكن لكل غرفة أن تبث و تحكم في القضايا المعروضة على المحكمة[8] ،و كما هو الشأن بالمحاكم الابتدائية العادية تتكون المحاكم التجارية من جناحين اثنين : رئاسة و نيابة عامة مع كتابة الضبط للرئاسة و أخرى للنيابة العامة تضطلع بجميع الإجراءات الموكلة الى هذه المحاكم .[9]

و نجد ان الدور التي تلعبه النيابة العامة امام المحاكم التجارية ، فهو دور طرح على الساحة القانونية نقاشات متعددة في صفوف رجال الفقه و القانون و المهتمين ، لا سيما حول طبيعته و نطاقه ، في غياب و ضع تحديد له اطار القانون رقم 95-53 المحدث للمحاكم التجارية . [10]

و على العموم فإن النيابة العامة تكون حاضرة مثلا في مجال صعوبات المقاولة ، و البث في طلبات المساعدة القضائية .

محكمة الاستئناف التجارية :  تعد محاكم الاستئناف التجارية درجة ثانية من دراجة التقاضي تتيح للطاعن بالاستئناف فسحة جديدة في نشر القضية من جديد للنظر و البت فيها من طرف محكمة أعلى ضمانا لمبدأ التقاضي على درجتين ، بحيث نصت المادة  3 من قانون 95-53  على ان محكمة الاستئناف التجارية تتكون من : 

-رئيس اول ورؤساء غرف و مستشارين .

-نيابة عامة تتكون من وكيل عام للملك و نوابه .

-كتابة ضبط و كتابة للنيابة العام .

يجوز ان تقسم محكمة الاستئناف التجارية الى عدة غرف بحسب طبيعة القضايا المعروضة عليها ، غير انه يمكن لكل غرفة ان تبحث و تحكم في القضايا المعروضة على المحكمة .

و من خلال ما جاء في مقتضيات هذه المادة يتبين على محاكم الاستئناف التجارية لا تختلف عن المحاكم التجارية الابتدائية مثلا من حيت إمكانية تقسيما الى غرف تبعا لطبيعة الدعاوى التي تقدم اليها ، و تكمن كل غرفة ان تبحث و تحكم في القضايا المرفوعة الى المحكمة ، و لا من حيث تنظيم الجمعية العمومية لديها التي تتألف من مستشارين و قضاة النيابة العامة العاملين بها ، و لا من حيث نظام عقد جلساتها و اصدار قراراتها .

المطلب الثاني : اختصاص المحاكم التجارية و المسطرة المتبعة امامها

تتمثل المحاكم التجارية باعتبارها محكمة متخصصة ، و التي أحدثها المشرع المغربي للنظر في نوع خاص من القضايا و ضمن مساطر خاصة تختلف في بعض جوانبها عن نظريتها المتبعة امام المحاكم الابتدائية العادية .

وللإحاطة بكل هذا ، نجد المشرع المغربي من خلال قانون رقم 95-53 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية ، نص على اختصاصات للمحكمة التجارية الفقرة الأولى  ، و نص على  إجراءات الدعوى امامها الفقرة الثانية  ،كما حدد اختصاص رئيسها الفقرة الثالثة  .

الفقرة الأولى : اختصاص المحاكم التجارية

يقصد بالاختصاص عموما الولاية القضائية الممنوحة من المحاكم في ان تنظر في قضية ما [11] او هو نصيب الجهة القضائية او المحكمة من القضايا التي لها ولاية او سلطة الفصل فيها،[12] و تقوم فكرة الاختصاص على أساس وجود محاكم او جهات قضائية متعددة و ضرورة تقسيم العمل بينهما إما بحسب نوعية القضايا المدعوة للبت فيها أو بحسب قيمتها ، و إما بحسب المكان الذي توجد به هذه المحكمة .

أولا : الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية

يقصد بالاختصاص النوعي للمحاكم التجاري تحديد القضايا التي يرجع لهذه المحاكم حق النظر فيها .

و قد قامت المادة 5 من قانون احداث محاكم تجارية بتعدد اهم اختصاصات محكمة الموضوع التجارية و هي كالآتي :

1-الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية .

2-الدعاوى التي تنشأ بين التاجر و المتعلقة بأعمالهم التجارية .

3-الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية .

4-النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية .

5-النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية .

و يبدو أن المشرع المغربي لم يراع في ترتيب هذه الإختصاصات أهميتها النظرية أو العملية ، كما أنه لم يبين ما إذا كان تعدادها وارد على سبيل المثال أم على سبيل الحصر  .

و أن التعداد المذكور ليس حصريا بدليل أن المشرع نص على منح الاختصاص للمحاكم التجارية في غير الحالات الواردة في المادة 5 و نخص بالذكر أداء مبلغ مسبق من الدين أو ما يصطلح عليه بقضاء التسبيق المادة 7 من قانون احداث المحاكم التجارية  ، وكذا صعوبات المقاولة  الكتاب الخامس من مدونة التجارة  .

و بالاطلاع على مجمل اختصاصات المحاكم التجارية يتبين أن المشرع لم ينتصر لجانب النظرية الشخصية أو لجانب النظرية الموضوعية و هما النظريتان التي يقوم عليهما القانون التجاري ، فهذه المحاكم وفق ما سنبينه عبارة عن مزيج من محاكم شخصية تهتم بفئة محددة من المواطنين هي : فئة التجار ، و من محاكم عينية ينصب اختصاصها على الأعمال التجارية بغض النظر عن القائمين بها ، و هذا المزج قصد به على الأرجح خلق نوع من التكامل بين النظريتين حتى يتسنى لهذه المحاكم الوقوف يتوازن على رجليها ، و الملاحظ أيضا أن المشرع عند تحديده لاختصاص محكمة الموضوع التجارية في المادة 5 من قانون المحدث للمحاكم التجارية قد استعمل ثلاث مرات لفظ " الدعاوى " و مرتين لفظ "النزاعات" دون أن يكون هناك مبرر لتغيير المصطلح للتعبير عن نفس المعنى . [13]

ثانيا : الاختصاص القيمي و المحلي للمحاكم التجارية :

-الاختصاص القيمي للمحاكم التجارية : تختص المحكمة التجارية بالنظر في الطلبات الأصلية التي تتجاوز قيمتها 20.000 درهم ، و تختص في جميع الطلبات المقابلة و طلبات المقاصة مهما كانت قيمتها .

يمكن للمحكمة التجارية الأمر بتسبيق جزء من الدين إذا كان ثابتا و ليس محل منازعة جدية ، مقابل ضمانات عينية أو شخصية كافية.

الاختصاص المحلي للمحاكم التجارية : أقر المشرع المغربي بخصوص الاختصاص المحلي، معيارا شخصيا و معيارا موضوعيا.

حيث قام بتنظيم الاختصاص المحلي للمحاكم التجارية بمقتضى المواد من 10 إلى 12 من قانون 95-53، فمن حيث المعيار الشخصي فالمادة 10 تطرقت إلى القاعدة العامة كما هو منصوص عليه في الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية، أما من حيث المعيار الموضوعي والمتعلق بمقر الأموال موضوع النزاع فقد نصت المادة 11 من قانون 95-53 على ثلاث حالات استثنائية تم فيها الخروج عن مقتضيات الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية وتكمن فيما يتعلق بالشركات إلى المحكمة التجارية التابع لها مقر الشركة أو فرعها ثم فيما يتعلق بصعوبات المقاولة إلى المحكمة التجارية التابعة لدائرة نفوذها مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة.

ثالثا : الدفع بعدم الاختصاص النوعي و المحلي بالمحاكم التجارية   :

-الدفع بعدم الاختصاص النوعي : يعد الدفع بعدم الاختصاص النوعي من الدفوع الشكلية أو الإجرائية[14] وهي الدفوع التي لا تتعرض لأصل الحق ، وإنما تتعلق بالطعن في رفع القضية إلى المحكمة التجارية، والملاحظ أن المشرع المغربي نظم الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام المحاكم التجارية وفق مسطرة خاصة أوردها في المادة 8 من القانون إحداث المحاكم التجارية.

-الدفع بعدم الاختصاص المحلي :  على خلاف قواعد قانون المسطرة المدنية وقانون إحداث المحاكم الإدارية، اعتبر المشرع المغربي وان بصورة غير مباشرة عدم تعلق الاختصاص المحلي للمحاكم التجارية بالنظام العام وذلك في المادة 12 من قانون 95-53 ، و التي جاءت كالتالي: " يمكن للأطراف في جميع الأحوال  أن يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة التجارية المختصة" .

لكن هذه النتيجة ليست قطعية، ففي أحوال معينة يعد الاختصاص المحلي للمحاكم التجارية مرتبط بالنظام العام، كما هو الشأن في ما يتعلق بالاستثناءات التي جاءت بها  المادة 11 من ق 95-53  والمادة 581 من مدونة التجارة – الاختصاص للمحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة.

الفقرة الثانية : المسطرة امام المحاكم التجارية :

لا تختلف قواعد أحكام المحاكم التجارية عن المبادئ المسطرية العامة الواردة في  قانون المسطرة المدنية  المحال عليه بنص صريح في الفقرة 2 من المادة 19 من قانون احداث المحاكم التجارية  والذي ينص على أنه: "تطبق أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص على خلاق ذلك"

ومع ذلك فإن المشرع التجاري قد وضع بعض القواعد المسطرية الخاصة التي لا تناقض أو تخالف قواعد المسطرة المدنية، والهادفة أساسا إلى تسريع المسطرة القضائية وجعلها أكثر دقة وفعالية، وهي المبادئ العامة التي قام عليها قانون المحاكم التجارية.

أولا-المسطرة امام المحاكم التجارية الابتدائية :  اوجب المشرع من خلال المادة 13 من قانون احداث المحاكم التجارية ،  ان تبدأ إجراءات الدعوى برفعها أمام المحكمة التجارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب.

وبعد قيد القضية لدى كتابة ضبط المحكمة مقابل وصل يتضمن البيانات التالية :

الإسم الكامل للمدعي .

تاريخ إيداع المقال باليوم و الشهر و السنة.

رقم القضية بالسجل.

نوع المستندات المرفقة بالمقال و عدده.

ويجب عليه بالإضافة إلى ذلك أن يقوم بإيداع بنسخة من هذا الوصل في الملف المفتوح للقضية لتكون من بين وثائقه.

بمجرد تقييد المقال  يعين رئيس المحكمة قاضي مقرر، يحيل إليه الملف خلال 24 ساعة [15]، و يتعين على هذا الأخير أن يحدد تاريخ أقرب جلسة تعرض فيها القضية يستدعي فيها الأطراف، و يقوم بتجهيز القضية القاضي المقرر أو المحكمة التجارية حسب الأحوال ، ومن بعد يوجه الاستدعاء إلى الأطراف بواسطة العون القضائي، وتبت المحكمة التجارية في النازلة وتنطق بالحكم إذا كانت القضية جاهزة ، أما إذا لم تكن  القضية جاهزة للبث فيها أمكن للمحكمة التجارية أن تؤجلها إلى أقرب جلسة أو ترجعها إلى المقرر، وفي جميع الأحوال يتعين على القاضي المقرر أن يحيل القضية من جديد إلى الجلسة في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر.[16]

المسطرة امام محاكم الاستئناف التجارية : إن أهم ما يميز هذه المرحلة من مراحل المسطرة هو التقصير في الأجل لاستئناف الأحكام التجارية الابتدائية بحيث تستأنف الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية أمام محكمة الاستئناف التجارية التابعة لدائرة نفوذها داخل أجل خمسة عشر يوما [17]من تبليغ الحكم، مع مراعاة المقتضيات الخاصة باستئناف الأحكام الصادرة بشأن الدفع بعدم الاختصاص إذ يجب تقديم الاستئناف داخل أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ طبقا للمادة الثامنة من قانون إحداث المحاكم التجارية ، وكذلك المقتضيات المتعلقة باستئناف المقررات الصادرة في مادة  صعوبات المقاولة خلال أجل 10 أيام من تاريخ التبليغ ما لم ينص على مقتضى مخالف وذلك تطبيقا للمادة 763 من مدونة التجارة كما تم تعديلها بموجب القانون رقم 73.17.[18]

وتخضع إجراءات رفع الاستئناف للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية طبقا للفصول من 134 إلى 141، وتطبق أمام محاكم الاستئناف التجارية نفس المسطرة المتبعة أمام المحكمة التجارية الابتدائية، وخاصة ما يتعلق منها برفع المقال بواسطة محام، وتعيين المقرر، وتجهيز القضية للنطق بالقرار وذلك وفق لمقتضيات المواد 13 إلى 17 من قانون إحداث المحاكم التجارية.

وبقي أن نشير إلى كيفية التبليغ و التنفيذ داخل هذه المحاكم، حيث تطبق أمام هذه المحاكم اجراءات التبليغ [19]و التنفيذ [20]طبق القواعد العامة لقانون المسطرة المدنية مع وجود مقتضيات خاصة وردت في القانون المحدث للمحاكم التجارية.

الفقرة الثالثة : اختصاصات رئيس المحكمة التجارية :

لقد منح المشرع المغربي لرئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة الى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب  قانون المسطرة المدنية و كذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية ، فيما يتعلق بالقضايا الاستعجالية  نصت على ذلك في المادة 21 من قانون احداث المحاكم التجارية والأوامر المبنية على طلب من خلال الفصل  149 من قانون المسطرة المدنية بالإضافة الى   مسطرة الأمر بالأداء المنصوص عليها في المادة22 من قانون احداث المحاكم التجارية ثم  والوقاية من صعوبات المقاولة و ذلك من خلال ما جاءت به مدونة التجارة في كتابها الخامس .

المبحث الثاني : المحاكم المالية

تعتبر المحاكم المالية المشكلة من المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات ضمانة قوية جاء بها المشرع المغربي لحماية المال العام و ذلك بموجب القانون رقم 99-62 الصادر في تاريخ 13 يونيو 2002[21].

و قد  ميز القانون الجديد في تناوله لهذا الصنف من المحاكم ، الذي لا يدخل ضمن المحاكم العادية الصرفة و الذي يمكن اعتباره قضاء متخصص، بين طريقة تأليف و سير المجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة ذات بعد وطني و كيفية تكوين و عمل المجالس الجهوية التي تكتسي طابعا جهويا يرمي إلى تحقيق نوع من التواجد المحلي و نهج سياسة القرب ، إذ أفرد الكتاب الأول للمجلس الأعلى في الوقت الذي خصص الكتاب الثاني للمجالس الجهوية .

و انسجاما مع كل ما تمت الإشارة اليه سابقا فإن المحاكم المالية تلعب دور مهم في حماية و صون الاستثمار و المستثمرين و تحسين مناخ الأعمال ، و مع كل التوجهات  التي سار عليه القانون المنظم للمحاكم المالية ، و الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع تظهر لنا  ضرورة البحث في البناء الهيكلي لهذه المحاكم كجهاز المطلب الأول ،  و يتعين علينا أيضا الوقوف على الخيط الرابط بين المحاكم المالية و المحاكم الإدارية في مجال الأعمال المطلب الثاني.

المطلب الأول : هيكلة المحاكم المالية .

ان ما يظهر من خلال القانون 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية ، هو  تحديد اختصاصات ، و التنظيم و طريقة التسيير سواء للمجلس الأعلى للحسابات او للمجالي الجهوية للحسابات .

بالإضافة الى ان الأهمية التي تكتسيها المحاكم المالية هي ضرورة البحث عن البناء الهيكلي بالإضافة للوقوف على تشكيلة هذا الجهاز .

أولا :  تكوين المجلس الأعلى للحسابات :

يتألف المجلس الأعلى للحسابات من أربع فئات من العنصر البشري وهي كالآتي:

-        الفئة الأولى: تتكون من قضاة وهم الرئيس الأول والوكيل العام للملك والمستشارين.

-        الفئة الثانية: وتتكون من الأطر الإدارية التي تسير العمل الإداري للمجلس وهي الكتابة العامة للمجلس وكتابة الضبط.

-        الفئة الثالثة: وهم الأعوان والموظفون المكلفون بالقيام بمهام إدارية.

-        الفئة الرابعة: الخبراء الذين يعينهم الرئيس الأول من القطاعين العام والخاص.

ثانيا : تشكيلات المجلس الأعلى للحسابات :

تنص المادة 7 من قانون 62.99 المتعلق بالمحاكم المالية على ما يلي:

يتألف مجلس الأعلى للحسابات من الهيآت التالية :

-  الجلسة الرسمية .

-  هيئة الغرف المجتمعة.

-  هيئة الغرف المشتركة .

-  غرفة المشورة .

-  الغرف فروع الغرف.

-  لجنة البرامج والتقارير.

ثالثا : المسطرة المتبعة امام المجلس الأعلى للحسابات :

خصصت مدونة المحاكم المالية المواد 57 الى 65 للمسطرة المتبعة أمام المجلس الأعلى للحسابات ، بحيث نصت المادة 57 على أنه : " يرفع القضية إلى المجلس الوكيل العام للملك من تلقاء نفسه أو بطلب من الرئيس الأول أو من إحدى هيآت المجلس "  . [22]

غير أن المشرع ، و إيمانا منه بأهمية المجلس ودوره في حماية المال العمومي ، عمد إلى فتح المجال أمام جهات أخرى لممارسة هذه المسطرة ، إذ يمكن لكل من وزير الأول ورئيس مجلس النواب ، و رئيس مجلس المستشارين ، و الوزير المكلف بالمالية ، و الوزراء فيما يخص أفعال الموظفين و الأعوان التابعين لهم أو الذين يعملون في إدارات أو مؤسسات تابعة من حيث الوصاية لهؤلاء الوزراء كما هو الحال بالنسبة لوزير الداخلية في علاقته بالجماعات المحلية رفع القضية إلى المجلس .

يبد أنه يتعين الإشارة إلى أن الاختصاص الممنوح للوكيل العام للمجلس اختصاص أصيل و بقوة القانون وهو أقرب إلى دور و كلاء الملك و الوكلاء العامين للملك بالمحاكم العادية حيث يتولون تحريك المتابعة أو الدعوى العمومية بصورة عامة ، أما الصلاحية الممنوحة للهيآت الأخرى المعددة في الفقرة الثانية من المادة نفسها و المشار إليها أعلاه ، فهي مقيدة بالعديد من الشروط منها على وجه الخصوص ، أن يتولى الوكيل العام للملك بالمجلس رفعها إلى هذا الأخير ، و أن يكون ذلك مشفوعا بتقارير الرقابة و التفتيش المؤيدة بالوثائق المثبتة للمخالفات المالية إن شئنا قول ذلك.[23]

الفقرة الثانية :  تكوين وتنظيم المجالس الجهوية للحسابات .

من المفروض أن تكون المجالس الجهوية للحسابات مرتبطة وموازية للتقسيمات الترابية الخاصة بالجهات، كما تنص على ذلك أولى مقتضيات المادة 116 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. لكن باعتبار الفترة الانتقالية التي يفرضها إكمال الإصلاح الجهوي المنتظر، بما في ذلك التقسيمات الترابية لمختلف الجهات بالمغرب، والمحددة حاليا، في 12 جهة.

يحدد القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية المكونات البشرية التي يتألف منها المجلس الجهوي للحسابات في المادة 119، ونص على المهام التي يمارسونها في المواد من 120 إلى 124.

فبالنسبة للأشخاص الذين يؤلفون المجلس الجهوي فقط تم تحديد صفاتهم في نص المادة 119 كما يلي :

"يتألف المجلس الجهوي من قضاء يسري عليهم النظام الأساسي الخاص المنصوص عليه في الكتاب الثالث من هذا القانون، وهم :

رئيس المجلس الجهوي؛

وكيل الملك؛

المستشارون.

يتوفر المجلس الجهوي على كتابة عامة وعلى كتابة الضبط.

 تتألف [24]كل من الكتابة العامة من الكاتب العام والموظفين وكتابة الضبط من كاتب الضبط والموظفين.

ثانيا :  آليات تنظيم المجالس الجهوية للحسابات :

بالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية نجد أن الآليات التي تمكن المجالس الجهوية من القيام بالمهام المنوطة بها يمكن أن نحصرها في كل من هيئات المجلس الجهوي والأجهزة الإدارية .

-هيئات المجلس الجهوي : يشتغل المجلس الجهوي للحسابات في هيئتين : جلسات المجلس، وفروعه، وذلك تطبيقا للمادة 125 من قانون المحاكم المالية : "يمكن تقسيم المجلس الجهوي إلى فروع بأمر من الرئيس الأول، يعرض على تأشيرة الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالوظيفة العمومية.

ولا تعقد جلسات المجلس الجهوي وفروعه إلا بحضور خمسة قضاة من بينهم رئيس المجلس الجهوي أو رئيس الفرع".

-الأجهزة الإدارية :تعمل الأجهزة الإدارية بالمجالس الجهوية للحسابات على تسيير المصالح الإدارية والمتمثلة في الكتابة العامة وكتابة الضبط.

وتظهر مهام الكتابة العامة في الأدوار التي يشرف ويقوم بها الكاتب العام للمجلس الجهوي للحسابات الواردة في المادة 123 من نفس القانون المذكور، والتي أشرنا إليها أخيرا.

أما كتابة الضبط فتعمل تحت إشراف كاتب الضبط، وتحدد مهامها أساسا في الفقرة الأولى من المادة 124 كما يلي : " تتولى كتابة الضبط تسجيل الحسابات والوثائق المحاسبية الأخرى المقدمة إلى المجلس الجهوي، وتوزيعها وفق برنامج أشغال المجلس الجهوي المشار إليه في المادة 120 أعلاه، وتقوم كتابة الضبط بحفظ الحسابات والوثائق المذكورة وكذا بتبليغ أحكام وإجراءات المجلس الجهوي، كما تشهد بصحة نسخ ومختصرات الأحكام القضائية".

المطلب الثاني : علاقة المحاكم المالية بالمحاكم الإدارية  في مجال الأعمال .

إن منظومة قوانين التنظيم القضائي للمملكة لم تشر لا صراحة و لا ضمنا الى اعتبار المحاكم المالية او بالأحرى هيئة المجلس الأعلى للحسابات جزءا منها في الوقت الذي كان يفترض أن تكون بعض المحاكم المختصة على علاقات تعاون و ثيقة و وطيدة بالمجلس ، إلا أن الممارسة أكدت ضيق هذه العلاقات .

و بالمقابل فإن للمجلس الأعلى للحسابات علاقة و طيدة بمحكمة النقض و ذلك بحكم القانون ، بالإضافة الى  كل ما تم ذكره ادى يجب ان نحدد في هذا المطلب العلاقة القائمة بين المحاكم المالية و المحاكم الإدارية بصفتها محكمة مختصة ، بحيث يكمن هذا التحديد بنوع العلاقة ،  من خلال الرقابة المالية التي تتخذها المحاكم المالية  الفقرة الأولى  ، اضافتا الى نوع الرقابة المتخذة  من طرف المحاكم الإدارية الفقرة الثانية  وذلك لما له  ارتباط بمجال تحسين مناخ الأعمال .

الفقرة الأولى : رقابة المحاكم المالية  في مجال الاعمال .

يمارس المجلس الأعلى للحسابات الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية ، كما يتحقق من سلامة العمليات المالية المتعلقة بمداخيل و مصروفات الأجهزة الخاضعة لرقابة وتقييم كيفية قيام هذه الأجهزة بتدبير شؤونها ومعاقبة كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة عند الاقتضاء بالإضافة الى تدخل هذا المجلس لحماية المال العام .

و يمكن اعتبار احداث المجالس الجهوية للحسابات التي تتولى مراقبة حسابات الجمعات الترابية و هيأتها و كيفية قيامها بتدبير شؤونها الذي سيساهم في تعزيز و تقوية الاستثمارات.

أولا : الرقابة الناشئة عن المجلس الأعلى للحسابات .

-الرقابة القضائية :  يتمثل الشكل المؤسساتي الذي اختاره المغرب في الرقابة المالية للمجلس الأعلى للحسابات ، لا يقتصر دورها في تدقيق حسابات الأجهزة العمومية الخاضعة للرقابة بل يمتد الى تطبيق عقوبات على كل إخلال بقواعد تنفيذ العمليات المالية .

و تستهدف الرقابة القضائية او الاختصاص القضائي التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات مراقبة مشروعية القرارات التي يتخذها المسؤولين عن تدبير المالية العامة ، حيت يقوم المجلس الأعلى للحسابات بالتدقيق و البث في الحسابات بالإضافة المهمة التي يتولها و هي التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية.

-رقابة التسيير : يضطلع المجلس الأعلى للحسابات باختصاصات أخرى غير قضائية ، بل هي اختصاصات إدارية بطبيعتها ، لتعلقها بالتنفيذ الإداري للعمليات المالية ، بحيث يعتبر اختصاص رقابة التسيير من أهم الاختصاصات التي أسندت للمحاكم المالية عموما ، لكونه يتجاوز المقترب الكلاسيكي للرقابة ، المتجسد في المشروعية القانونية للعمليات المالية ، على اعتبار أن مراقبة الاستعمال الفعلي للنفقات أكثر أهمية من مراقبة مشروعيتها فهذا النوع من الرقابة يهتم أساسا بتقييم جودة التسيير ، انطلاقا من قياس أداء الأجهزة الخاضعة للرقابة ، بناء على مؤشرات المردودية في علاقتها بالأهداف المعلنة ، و هي رقابة لا تسعى إلى معاقبة المسؤولين عن الأخطاء أو التجاوزات التي يرتكبونها ، بل يتم الاكتفاء فقط بتوجيههم إلى مدى واقعية الخطط وطرق تنفيذها ، و عند الاقتضاء تقديم الاقتراحات و التوصيات الكفيلة بتحسين طرق التسيير و أساليبه و الزيادة في فعاليتها و مردوديته ، و الكشف عن النقص و الضعف الذي يعتري المنظمات و الأجهزة العمومية في ميدان التسيير.

و يمكن إذن اعتبار رقابة التسيير الوسيلة الناجعة التي تضمن حماية الأموال العمومية من كل ضياع أو إسراف أو تبذير و هذا لا يأتي إلا من خلال ما جاءت به المادة 75 من مدونة المحاكم المالية .

ثانيا : الرقابة الناشئة عن المجلس الجهوي للحسابات .

أحدثت المجالس الجهوية للحسابات تطبيقا لمبدأ لا مركزية الرقابة العليا على المال العام ، و لذلك فإنها تمارس اختصاصات مشابهة لنظيرتها الموكولة للمجلس الأعلى للحسابات ، مع اختلاف بسيط يكمن في ممارسة المجالس الجهوية للحسابات لاختصاصاتها في نطاق جغرافي محدد .

-الرقابة القضائية : تتولى المجالس الجهوية للحسابات ممارسة بعض الاختصاصات القضائية تتجلى تدخل هذه الوحدات الرقابية في البث في حسابات المحاسبين العموميين ، و في التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية ، بهدف ضبط المخالفات المالية و إنزال العقوبات على مرتكبيها .

و ذلك من خلال : التدقيق و البث في حسابات المحاسبين العموميين للجماعات المحلية / التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية [25].

-رقابة التسيير : تعتبر مراقبة التسيير اختصاصا إراديا محضا للمجالس الجهوية للحسابات ، لكونه لا يهتم بالمشروعية القانونية للعمليات المالية بل يركز اهتمامه على جودة التسيير بناء على مؤشرات المردودية في ارتباط مع الأهداف المسطرة .

إن الاقتصار على مراقبة مدى احترام قواعد المشروعية من طرف الجماعات المحلية لا يضمن بالضرورية تسييرا محليا فعالا و اقتصاديا و ناجعا ، لذلك فإن المجالس الجهوية للحسابات تسعى من خلال مراقبة التسيير الى تقييم الوضعية الحقيقية للتدبير المالي و الإداري و الاقتصادي لجماعة محلية معينة ، عن طريق فحص شروط و ظروف ابرام الصفقات العمومية و نظام تدبير الموارد البشرية ، و الكيفية التي يتم بها تحصيل جبايات المجاعة المحلية ...

لبدى و ان نشير بعد الانتهاء من الشق الأول بهذا المطلب، الى أن المحاكم المالية تهدف الى اعتماد الإجراءات القانونية قصد تفحص العمليات القائمة على مبدأ الشفافية و الحصول على تنفسية اقتصادية ، و يبقى مجال الصفقات العمومية هو الأقرب من ذلك ، لم له من أهمية بالغة من تأثير على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و على التنمية بصفة عامة ، مما يحتم فرض رقابة فعالة عليها ، و ان الهدف الأساسي الذي تكتسيه المحاكم المالية كما اشرنا اليه هو مراقبتها للصفقات العمومية المبرمة من طرف الأجهزة الخاضعة لرقابتها ، إلى التأكد من مدى احترام قواعد المساواة و المنافسة و الشفافية في ابرام الصفقات ، و تقييم مدى تحقق الأهداف و المشاريع المقررة ، و الوسائل المستعملة و تكاليف الأعمال و الخدمات المقدمة ، و الأثمان المطبقة و النتائج المالية ، بالإضافة إلى البحث مدى مشروعية و صدق المحاسبات المالية للأجهزة المراقبة ، و هي تقوم عند الاقتضاء بتقديم اقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرق تسيير الأجهزة الخاضعة للرقابة و الزيادة في فعاليتها و مردوديتها .

و هذا ما جعل المشرع يخصها بنوعين من الرقابة ، تتمثل الأولى في رقابة داخلية ، تتجلى في الرقابة التي تفرضها الإدارة على الصفقات العمومية ، و تظهر الثانية من خلال الرقابة الخارجية ، و تتجلى في الرقابتين السياسية و القضائية ، فالسياسية يقوم بها البرلمان ، أما القضائية فيمارسها المجلس الأعلى للحسابات و المحاكم الإدارية ، و تتجلى أهميتها في أنها تنقسم الى شقين اثنين ، يتجلى الشق الأول في الرقابة القضائية الصرفة و التي تقوم بها المحاكم الإدارية و هي ما سيتم مناقشتها في الشق الثاني من هذا المطلب  ، اما الرقابة الثانية فتتجسد في الرقابة القضائية المالية  التي تما مناقشتها في الشق الأول من هذا المطلب ، و هي التي يقوم بها كل من المجلس الأعلى للحسابات و المجلس الجهوي للحسابات .

الفقرة الثانية : رقابة المحاكم الإدارية في مجال الأعمال .

عملت المحاكم الإدارية  على إعطاء عناية خاصة لحماية المال العام  بالإضافة الى  تشجيع الاستثمارات و حمايتها ،  من خلال تشديده على ضرورة التقيد بالإطار القانوني للعقود الإدارية [26]التي تندرج في إطار الصفقات العمومية من خلال المرسوم المؤطر للصفقات العمومية كما استند خلال بته في بعض المنازعات المرتبطة بهذا الخصوص  كآلية لإضفاء حماية خاصة ، و هذا ما يجب ان نحدده من خلال الرقابة القضائية الصرفة التي تقوم بها المحاكم الإدارية  بهذا الخصوص و هو ما سيتم مناقشته في هذه الفقرة ، و كما هو معلوم فإن القضاء الإداري عمل دوما على الموازنة بين المصلحتين العامة والخاصة وفي حالة التعارض بينهما اهتدى القضاء الإداري ، باعتبار دوره الإنشائي للمبادئ القانونية، إلى ترجيح الأولى على الثانية، وجعلها فوق كل اعتبار.

كما تشكل الصفقات العمومية اللبنة الأساسية لتلبية حاجات الإدارة، وبالنظر لأهمية موضوعها المتمثل في إنجاز أوراش كبرى أو تقديم خدمات وإنجاز توريدات، فإن إطارها القانوني يخضع لبعض المبادئ الرامية إلى ترسيخ الشفافية والحفاظ على مصالح الإدارة والقطاع الخاص، في إطار شراكة متوازنة يتوخى منها إنجاز أعمال بجودة عالية ، وبتكلفة مناسبة ، فضلا على الرغبة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل الممارسات المرتبطة بأفعال الغش والرشوة.  و في هذا الصدد، فقد سن المرسوم المؤطر لها الصادر بتاريخ: 5 فبراير2007 قواعد خاصة لإبرامها  مما جعل رقابة  المحاكم الإدارية على إعمال مقتضيات القانون المذكور تتوخى من جهة ضمان شفافية إبرام عقد الصفقة العمومية و من جهة أخرى ضمان حسن تنفيذ وإنهاء ذلك العقد.

أولا : رقابة المحاكم الإدارية على شفافية إبرام عقد الصفقات العمومية.

بالاطلاع على المرسوم المؤطر للصفقات العمومية يتضح أن المشرع يسعى إلى تكريس مبدأ الشفافية في إبرام العقود الإدارية المندرجة في إطار الصفقات العمومية .

ونشير هنا إلى أن الضمانات القانونية لحماية مبدأ الشفافية في نظام صفقات الدولة لا تغني في شيء عن رقابة المحاكم الإدارية  على صحة مسطرة إبرام عقد الصفقة، باعتبار أن الغاية منها هو تأمين حسن استعمال المال العام، لذلك نجد أن الرقابة القضائية تمتد إلى الاجراءات الممهدة لإبرام عقود الصفقات كما أن الشواهد القضائية في هذا المجال تؤكد إثراء العمل القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط للضمانات المذكورة من خلال ابتكاره لبعض المبادئ بخصوص الصفقات المبرمة حيادا على القانون.

وباستقراء مختلف النصوص المومأ إليها أعلاه يتضح أن الأصل هو خضوع إبرام صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات لقاعدة المنافسة القبلية، واستثناء يمكن اللجوء إلى المسطرة التفاوضية والى سندات الطلب حيث تكون المنافسة جد محدودة.

     وعموما فقد حددت المادة 16 منه طرق إبرام صفقات الدولة في أربعة طرق أساسية وهي: - طلب العروض/-المباراة /-المسطرة التفاوضية /- تنفيذ أعمال بمجرد سند الطلب.

-رقابة المحاكم الإدارية على الاجراءات الممهدة لعقد الصفقة العمومية :  بالرجوع إلى نماذج منتقاة من المقررات القضائية الصادرة بشأن المنازعات المرتبطة بمقدمات التعاقد بشأن الصفقات العمومية، يتبين أن القضاء الإداري يتعامل بنوع من المرونة مع اجراءات التقاضي، طالما أن موضوع الخصومة يستهدف شكليات عقد الصفقة التي تم تشريعها لضمان حسن تدبيرالمال العام ، كما تم وضع بعض الضوابط للسلطة التقديرية للإدارة فيما يخص قبول التعهدات أو إقصائها.

غير أن وجود نظام قانوني يحدد شروط وكيفيات إبرام الصفقات العمومية ، يقتضي الحد من السلطة التقديرية للإدارة من خلال سن بعض الضوابط المقيدة لتلك السلطة ، من قبيل فرض الرقابة على الأصول الواقعية للسبب المعتمد من طرف لجنة فتح الأظرفة في إقصاء المتعهد، وعدم الانحراف في استعمال السلطة المذكورة.

غير أن الإدارة قد تعمد أحيانا إلى تجاوز النصوص القانونية المؤطرة لنظام صفقات الدولة، وتبرم عقودا حيادا على تلك النصوص ،الأمر الذي يطرح التساؤل عن موقف المحاكم الإدارية من العقود المذكورة؟.

-موقف قضاء المحكمة الإدارية من الصفقات العمومية المخالفة للقانون : تشمل الصفقات المخالفة للقانون [27]الحالات التي يتم فيها تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو إنجاز خدمات دون التقيد بالشكليات المنصوص عليها بنظام صفقات الدولة.

بالنظر إلى أن المرسوم المؤطر لنظام صفقات الدولة شرع أساسا لضمان حسن تدبير المال العام ، فإن العمل القضائي بالمحكمة الإدارية بالرباط عمل على رعاية الغاية المذكورة وذلك بتشدده في إثبات عقد الصفقة و القضاء لفائدة المتعاقد مع الإدارة بمقابل تكلفة الأشغال.

غير أن الإدارة قد تعمد أحيانا إلى إبرام عقود شفوية من أجل تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات ، دون التقيد بالشكل المحدد بموجب المرسوم المذكور، وعند عرض النزاع على القضاء كثيرا ما تتمسك بكونها لم تبرم أي عقد مع الجهة المعنية بالأمر، أو أن هذه الأخيرة لم تنجز الأشغال المتفق عليها سواء كان الأمر يتعلق بأشغال أصلية أو إضافية، أو أن العقود الملحقة حتى في حالة وجودها غير مصادق عليها. فما هو موقف القضاء الإداري من الإشكاليات المذكورة؟ وما هي الحلول التي تبناها بخصوصها؟

إذا كان العقد الباطل لا يترتب أي أثر قانوني، فإن ذلك  لا يعني أن المتعاقد المتضرر لا يمكنه الحصول على التعويض المترتب عن أشغال يكون قد أنجزها بمناسبة صفقة أشغال باطلة ،و ذلك على أساس قانوني غير مستمد من العقد الباطل ، وإنما من خطأ الإدارة أو الربح الذي جنته من الأشغال التي قدمت لفائدتها ، أي أن الأساس المذكور قد يكون شبه تقصيري أو شبه عقدي بحسب الأحوال.

لذلك اهتدى القضاء الإداري إلى اعتماد الأسس القانونية المطبقة على عقود القانون الخاص والتي تسمح بالاستجابة لطلب منجز الصفقات غير المشروعة في حدود تكلفة الأشغال المنجزة، وتتحدد تلك الأسس في نظرية الإثراء بدون سبب، والخطأ المشترك ودفع غير المستحق.

ثانيا: مشروعية فسخ الصفقة في حالة اخلال المتعاقد بالتزاماته .

يعرف الفسخ بأنه إنهاء العقد نتيجة اخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته العقدية، أو هو حق  المتعاقد في العقد الملزم للجانبين، إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه في أن يطلب حل الرابطة العقدية كي يتحلل هو من التزامه، فهو يدخل إلى جانب المسؤولية العقدية في نطاق الجزاء الذي يترتب على القوة الملزمة للعقد [28] ترتيبا على ذلك، يمكن القول بأن فسخ عقد الصفقة من قبل الإدارة صاحبة المشروع[29]، يكون نتيجة تقصير المقاول صاحب الصفقة في تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد، و يترتب عليه إعفاؤه نهائيا من تنفيذ الأشغال موضوع العقد.

وإذا كان المشرع قد أحاط  موضوع الصفقة العمومية بمقتضيات تشريعية تكفل له حماية من خلال تخويل الإدارة إمكانية الإعمال التلقائي لجزاء الفسخ، فإن الواقع العملي أفرز وضعيات يجعل ذلك محل تهديد نتيجة اخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزاماته التعاقدية، لتتدخل المحاكم الإدارية  لرد الأمور إلى نصابها بإضفائه للشرعية على عملية إنهاء العقد الإداري، و عدم اعتبار شكليات الإنهاء أحيانا، وترتيب الآثار الكفيلة بهذه الحماية .

و عليه لبدى و ان نشير، فبعد الحديث عن العلاقة القائمة بين المحاكم المالية و الإدارية في مجال الأعمال أنه تكمن في تكملت المسار الإصلاحي  التي اتخذته المحاكم المالية من اجل الالتزام بالإجراءات القانونية على عمليات الرقابة التي تقوم بها هذه المحاكم ، عكس المحاكم الإدارية التي تدافع على مشروعية القرارات الإدارية و عدم الاضرار بالمصالح العامة أو الخاصة للأفراد ، بشكل متوازن ، و هي نفس الغاية التي تلعبها المحاكم المالية في شأن مشروعية و رقابة صرف المالية العمومية ، و هذين اجرائيين قضائيين من شأنهما أن يشجعا الاستثمارات العمومية و الخصوصية .

خاتمة :

ان مقومات العدالة الاقتصادية تكمن في وجود عدالة تكاملية بين جل المحاكم المختصة من اجل تحسين مناخ الأعمال داخل المغرب و بعض الهيأة القضائية ، و هذا ما قمنا بوصفه سابقا من خلال هيكلة و اختصاص المحاكم التجارية ، بالإضافة الى دور المحاكم المالية في تحسين مناخ الأعمال و الرقابة التي تقوم بها هذه المحاكم من خلال الأعمال التي يكرسها كل من المجلس الأعلى للحسابات و المجلس الجهوي للحسابات قصد تفحص الغاية على مبدأ الشفافية و إعطاء صبغة  تنافسية اقتصادية ، و هذا ما نقشنه أيضا في علاقة المحاكم المالية بالمحاكم الإدارية ، ووجدنا انا لبدى من وجود رقابتين تكمن الأول في الرقابة المالية و هي التي يقوم بها المجلس الأعلى للحسابات و المجلس الجهوي للحسابات من خلال ابرام بعض العقود الإدارية المتعلقة بمجال الصفقات العمومية ، اما الرقابة الثانية هي تلك الرقابة الصرفة التي تقوم بها المحاكم الإدارية في مجال الصفقات العمومية و هذا من اجل اعطاء نوع من الشفافية و المشروعية على القرارات الادارية التي تتخذها هذه الأخير من اجل تنافسية اقتصادية ، و تشجيعا للاستثمارات سواء التي تقوم بها المقاولات العمومية او الخصوصية  ، و لبدى من ان نشير الى ان هذه العدالة الاقتصادية لها اثار قانونية تتمثل في ضبط الاليات الكفيلة لوجود عدالة اقتصادية فعالة تصبو الى الرفع من مناخ الاعمال و تشجيع الاستثمار الوطني و الأجنبي .

لائحة المراجع :

-        عبد الباسط جميعي، نظرية الاختصاص في قانون المرافعات الجديد ، سنة 1973-1974 .

-        امينة النمر ، أصول المحاكمات المدنية ، الدار الجامعية ، 1988.

-        عبد لكريم الطالب ، التنظيم القضائي المغربي ،مكتبة المعرفة مراكش ،الطبعة 5 سنة 2018 .

-        عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، 1974.

-        محمد صقلي حسيني، المنازعات العقدية على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري، مجلة المحاكم الادارية،عدد:4، يونيو 2011.

-        محمد المجدوبي الإدريسي- وجود مؤسسة النيابة العامة بالمحاكم التجارية ، المنتدى – مجلة يصدرها منتدى البحث القانوني بمراكش – العدد الأول أكتوبر 1999.

-        محمد المجدوبي الإدريسي ، المحاكم التجارية بالمغرب دراسة تحليلية نقدية مقارنة ، مطبعة بابل الرباط ، الطبعة الأولى، سنة 1998.

-        المهدي شبو ، محاولة في تأصيل الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية على ضوء المادة 5 من قانون 95-53 مقال منشور بمجلة المنتدى –العدد الأول ، أكتوبر 1999-.

-        احمد قيلش ، حسن زرداني ، محمد زنون ،مؤلف جماعي ، التنظيم القضائي للمملكة التأليف-الاختصاص-المسطرة ، الطبعة 4 ،سنة 2018 .

-        نورة غزلان الشنيوي، التوجهات الأساسية للإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة ،التنظيم القضائي المغربي في ضوء مستجدات سنة 2016  ط،1،سنة 2016 .

 



[1]  الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمر الدولي بمراكش حول العدالة و الاستثمار يوم 20191021.

[2]  تم إقرار استقلال السلطة القضائية وفق دستور 2011 ، و الارتقاء بها الى مصاف باقي السلط المكونة للنظام الدستوري المغربي ، الفصل 107 من الدستور .

[3]  محمد المجدوبي الإدريسي ، المحاكم التجارية بالمغرب دراسة تحليلية نقدية مقارنة ، الطبعة الأولى، سنة 1998، مطبعة بابل الرباط ،ص 08 .

 

[4]  المهدي شبو ، محاولة في تأصيل الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية على ضوء المادة 5 من قانون 9553 مقال منشور بمجلة المنتدى –العدد الأول ، أكتوبر 1999ص78 و ما بعدها .

[5]  انظر الفصل 270و271 من قانون المسطرة المدنية .

[6]  محمد المجدوبي الادريسي، مرجع سابق ص 29 .

[7] المادة 4 من قانون رقم 9553 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية .

[8]  المادة 2 من قانون رقم 9553 القاضي بإحداث المحاكم التجارية .

[9] احمد قيلش ، حسن زرداني ، محمد زنون ،مؤلف جماعي ، التنظيم القضائي للمملكة التأليفالاختصاصالمسطرة ، الطبعة 4 ،سنة 2018 ،ص 112.

[10] نورة غزلان الشنيوي، التوجهات الأساسية للإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة ،التنظيم القضائي المغربي في ضوء مستجدات سنة 2016  ط،1،سنة 2016 ، ص 118 .

[11] عبد الباسط جميعي، نظرية الاختصاص في قانون المرافعات الجديد ، سنة 19731974 ، ص 60.

 

[12] امينة النمر ، أصول المحاكمات المدنية ، الدار الجامعية ، 1988، ص 29.

[13] محمد المجدوبي الادريسي ، المحاكم التجارية بالمغرب مرجع سابق ،ص55.

[14] نقلا عن الأستاذ محمد المجدوبي الإدريسي وجود مؤسسة النيابة العامة بالمحاكم التجارية ، المنتدى – مجلة يصدرها منتدى البحث القانوني بمراكش – العدد الأول أكتوبر 1999 ، أحمد أبو الوفا : التعليق على نصوص قانون المرافعات ، منشأة المعارف الطبعة الخامسة الصفحة 456 وما يليها.

[15] المادة 14 من قانون احداث المحاكم التجارية .

[16] المادة 16 من قانون احداث المحاكم التجارية .

[17] المادة 18 من قانون احداث المحاكم التجارية .

[18]  المادة 763 من قانون رقم 7317 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة .

[19]  المادة 15 من قانون إحداث المحاكم التجارية، على أن إجراءات التبليغ أمام هذه المحاكم يقوم بها المفوضون القضائيون وفق أحكام القانون رقم 03.81 المؤرخ في 14 فبراير 2006 والمتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين.

[20]  من مستجدات القانون المحدث للمحاكم التجارية، إحداث مؤسسة قاضي متابعة إجراءات التنفيذ وذلك بمقتضى  الفقرة الأخيرة من المادة 2 من القانون المحدث للمحاكم التجارية التي خولت لرئيس المحكمة التجارية تعيين قاض مكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ باقتراح من الجمعية العمومية للمحكمة التجارية بالإضافة الى ان المادة 23 من قانون إحداث المحاكم التجارية نصت : ” يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه الحكم المكلف بتنفيذه و يعذره بأن يفي بما قضى به الحكم أم تعريفه بنواياه، وذلك من خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ......"

[21] الظهير الشريف رقم 124021 الصادر بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1423 الموافق ل 13 يونيو 2002 بتنفيذ القانون رقم 9962 بشأن المحاكم المالية .

و قد تم تتميمه بالقانون 55.16 الصادر بالظهير الشريف رقم 153161 بتاريخ 25 غشت 2016 ، ج ر عدد 6501 بتاريخ 19 شتنبر 2016 . منقول عن عبد الكريم الطالب ، التنظيم القضائي المغربي ، ط 5 ، سنة 2018 ، مكتبة المعرفة ، مراكش ، ص 74.

[22] المادة 57 من مدونة المحاكم المالية .

 

[23]  عبد لكريم الطالب ، التنظيم القضائي المغربي ، الطبعة 5 سنة 2018 ، مكتبة المعرفة مراكش ، ص 7879 .

[24] المادة 119 من مدونة المحاكم المالية .

[25] انظر المادة 118 من مدونة  المحاكم المالية .

[26]  المادة 8 من احداث المحاكم الإدارية .

[27]  يصفها بعض الباحثين بالصفقات الباطلة، أنظر: محمد صقلي حسيني، المنازعات العقدية على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري، مجلة المحاكم الادارية،عدد:4، يونيو 2011،الصفحة:59،وهناك من يصفها بالصفقات غير المشروعة.

[28]  عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، 1974 ص:582

[29]  سلطة الإدارة في توقيع الفسخ الجزائي على المقاول في مجال عقد الأشغال العامة في المغرب تنظمه النصوص التالية: " المواد من 41 إلى 48 من المرسوم رقم: 1087992 الصادر في 29 محرم 1421 الموافق ل 4 مايو 2000 بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة.

المادة 44 في حالة تأجيل الأشغال. /المادة 41 في حالة وجود عيوب في البناء. / المادة 42 في حالة صعوبة التنفيذ. / المادة 43 في حالة القوة القاهرة. / أما المواد 46 ، 47 و48 فإنها تنظم فسخ الصفقة بقوة القانون في حالة وفاة المقاول أو فقدانه للأهلية المدنية، وفي حالة التسوية أو التصفية القضائية."