تعديل أحكام ضمان العيب الخفي في برامج الحاسب الآلي

 



تعديل أحكام ضمان العيب الخفي في برامج الحاسب الآلي المعيبة

 

د. ممدوح محمد عبدالعاطي عبداللطيف

دكتوراه في القانون المدني

مقدمة:

يعد التزام المورد بضمان العيوب الخفية التي تصيب البرنامج من الالتزامات التي يوجبها القانون (م 447 مدني مصري) وكذلك مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود(م 148 مدني مصري) دون الحاجة إلى اتفاق خاص بين الطرفين إلا أن أحكام ضمان العيوب الخفية ليست من النظام العام، فيجوز لطرفي التعاقد الاتفاق على تعديلها سواء بالزيادة أو بالإنقاص أو بالإعفاء.([1])

   أهمية الدراسة:

ويعد الاتفاق على الإعفاء من الضمان من أكثر الصور انتشارا في الحياة العملية، حيث دائما ما يسعى المورد إلى استغلال حاجة المستخدم لحيازة برنامج معين، فيشترط على المستخدم إعفاءه من ضمان أي عيب يصيب البرنامج.

    وحيث إن هناك تباينا لدى فقهاء القانون حول الاتفاق على تعديل أحكام الضمان، فكان من الأهمية بمكان بحث هذا الأمر من خلال هذا البحث،

منهج الدراسة:

     ولتحقيق هذه الدراسة اعتمدت في بحثي على الاستعانة بالمنهج التحليلي، وذلك من خلال تحليل النصوص القانونية في التشريعين المصري والفرنسي ذات الصلة بموضوع البحث،  وأيضا الوقوف على الآراء الفقهية والاتجاهات القضائية وتحليلها وبيان المبدأ القانوني الذي تقوم عليه.

ولتحقيق هذا البحث سوف يتم دراسته من خلال تقسيمه إلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي : 

المبحث الأول:  العلاقة بين شروط تعديل الضمان وشروط تعديل المسئولية

   تتحقق شروط تعديل أحكام ضمان العيب الخفي التي يلتزم بها المورد عندما يضمن عقد البرنامج شروطا قد تقضي بتخفيف هذه الأحكام أو الإعفاء منها.  

    وعلى الرغم من مخالفة هذه الشروط لطبيعة البرامج التي تعتبر معقدة بالنسبة للمستخدم إلا أنها لا تخلو من فائدة في الوقت الحاضر؛ لاتساع نطاق المسئولية وعدم الاعتداد بهذه الشروط الأمر الذي حدا ببعض المستثمرين إلى الإحجام عن الاستثمار في المشروعات التي تعود بالنفع على المجتمع، والتي من بينها صناعة برامج الحاسب الآلي، فمثل هذه الاتفاقات تشجع المستثمرين على إنتاج وصناعة  مثل هذه البرامج.([2])

   وقد تباينت الآراء الفقهية والتقنيات التشريعية حول مدى العلاقة بين شروط تعديل أحكام ضمان العيب الخفي، وشروط تعديل أحكام المسئولية، وهو ما ستتم دراسته من خلال المطلبين الآتيين:

 

 

 

المطلب الأول: موقف الفقه حول العلاقة بين شروط تعديل الضمان وشروط تعديل المسئولية

لم تحظ الاتفاقات على تعديل أحكام المسئولية العقدية باهتمام المشرع المصري في ظل التقنين المدني القديم؛ ونظرا لعدم نص هذا القانون على مثل هذه الاتفاقات سواء بحظرها أو إباحتها إلا أنّه هديا بما استقر عليه الفقه والقضاء الفرنسي، والذي ذهب إلى صحة هذه الاتفاقات فيما يتعلق بالأخطاء اليسيرة، وبطلانها فيما يتعلق بالأخطاء العمدية(الغش) أو الأخطاء الجسيمة، فإن الفقه المصري قد اهتم أيضا بدراسة هذا الأمر بل إنه أضاف شيئا جديدا لم يكن مثارا لدى الفقه والقضاء الفرنسي آنذاك حيث ذهب بعض الفقه المصري إلى القول بصحة الاتفاق على إعفاء المدين من المسئولية العقدية عن خطأ المساعدين أو التابعين، وهو ما لم يتناوله الفقه والقضاء الفرنسي. ([3]) 

   ولكن فيما يتعلق بتحديد العلاقة بين شروط تعديل الضمان، وشروط تعديل المسئولية انقسم فقهاء القانون بين مؤيد ومعارض إلى اتجاهين كالآتي:

الاتجاه الأول:

    يرى أنصار هذا الاتجاه أن هناك تمييزا بين شروط التخفيف والإعفاء من ضمان   العيوب الخفية، وبين شروط التخفيف والإعفاء من المسئولية العقدية؛ لأن شروط تعديل ضمان العيوب الخفية يؤدي إلى إبراء ذمة المورد من المسئولية، حتى في حالات الغش والخطأ الجسيم، وبالتالي ليس هناك ارتباط بينهما.([4])

    إلا أن هذا الاتجاه لم يلاق قبولا من بعض الفقهاء؛ وذلك لأن القول بعدم مسئولية المورد عن الأضرار الناجمة عن الغش، والخطأ الجسيم بحجة إزاحة الالتزام التعاقدي بالاتفاق على الإعفاء منه أمر لا يتماشى مع احتياجات استقرار المعاملات، ولا يتوافق مع توجهات المشرع أو القضاء، بل أنه يصطدم مع مقتضيات النظام العام.([5])

الاتجاه الثاني:

   ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى اعتبار شروط تعديل الضمان نوع من أنواع شروط تعديل المسئولية العقدية، حيث إن تعديله بتخفيفه أو الإعفاء منه لا يعني استبعاد الالتزام بالضمان، وإنما يعني استبعاد المسئولية الناجمة عن ظهور العيب محل الضمان.([6])

   وذلك لأن المسئولية العقدية هي أساس ضمان العيب الخفي الأمر الذي حدا بالبعض إلى القول بأن استعمال كلمة ضمان بالنسبة للعيوب الخفية عند التعاقد هو تعبير غير موفق، وغير ملائم لطبيعة هذا التعاقد.([7])

   وتتأكد صحة ووجاهة هذا الاتجاه بالرجوع إلى ما استقرت عليه أحكام القضاء من تأكيد مسئولية المورد في حالة ثبوت الغش أو الخطأ الجسيم، حيث إن التزام المورد بتسليم المستخدم برنامجا خاليا من أي عيب هو التزام جوهري لا يمكن استبعاده، ولكن المسئولية يمكن تعديلها بالتقيد والإعفاء طالما أن هذا المورد حسن النية، وبالتالي فإن تعمد إخفاء العيب غشا للمستخدم يرتب المسئولية الكاملة، ويؤدي إلى استحقاق المستخدم للتعويض عن كافة الأضرار بما فيها الأضرار غير المتوقعة عند إبرام العقد.([8])

ويؤيد الباحث ما ذهب إليه أنصار الاتجاه الثاني؛ لأنه يهدف إلى توسيع نطاق حماية المستخدم من خلال ترتيب أحكام المسئولية الكاملة قِبَل المورد في حالة تعمده إخفاء العيب غشا منه، الأمر الذي يؤدي إلى عدم استفادة هذا المورد من شروط الإعفاء والتخفيف لأحكام الضمان.

وبالرغم من وجاهة هذا الرأي إلا أنّه نتج عن التسليم به بعض المشكلات من الناحية القانونية والعملية، الأمر الذي أدى إلى القول برفض شروط تعديل ضمان العيب الخفي لمخالفته للنظام العام، أو لأنّها تجعل تنفيذ الالتزام اختياريا .([9])

المطلب الثاني:  موقف التشريع من العلاقة بين شروط تعديل الضمان، وشروط تعديل المسئولية

عند الحديث عن العلاقة بين شروط تعديل الضمان، وشروط تعديل المسئولية من الوجهة القانونية لا بد من دراسة موقف كل من التشريع المدني المصري والتشريع المدني الفرنسي على النحو الآتي:

أولا : موقف المشرع المصري.

نص المشرع المصري القديم على حالات شروط تعديل ضمان العيب الخفي، واعتبر أن العلم بالعيب يؤدي إلى بطلان شروط تعديل أحكام الضمان. (م 321 / 396 مدني قديم)

أما التشريع المصري الحالي فقد ثبت من خلال ما نصت عليه م453 /1 أن المشرع أجاز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا في الضمان، أو أن ينقصا منه، أو أن يسقطا هذا الضمان على أن كل شرط يسقط الضمان، أو ينقصه يقع باطلا إذا تعمد المورد إخفاء العيب غشا منه.

ويتفق نص هذه المادة مع المبادئ العامة في القانون المدني المصري الخاصة بجواز الاتفاق على تعديل المسئولية في السماح باتفاقات تعديل ضمان العيوب الخفية.([10])

وكذلك يتفق هذا النص مع الأحكام العامة التي تقضي بإبطال الاتفاقات القائمة على الغش؛ لأن الغش يفسد كل شيء.([11]) 

ومما سبق يتضح أن تبني المشرع المصري لشروط تعديل الضمان له ما يبرره من رغبة المشرع  للتوسع في نطاق ومدى صحة هذه الشروط، وذلك على خلاف القاعدة العامة التي تحكم صحة شروط تعديل المسئولية بوجه عام.([12]) 

وعلى الرغم من تبني المشرع المصري لصحة شروط التعديل إلا أن القضاء المصري إلى وقت قريب كان يرفض الاعتداد بصحة شروط تعديل المسئولية، وكان يعدها اتفاقات لنقل عبء الإثبات، ولم يستقر القضاء المصري على صحة هذه الشروط كقاعدة عامة بما يتطابق مع موقف المشرع بشأن شروط تعديل ضمان العيب الخفي إلا في مرحلة لاحقة.([13])

ثانيا: موقف المشرع الفرنسي.

في ظل غياب التشريع المدني الفرنسي الذي صدر عام 1804 م عن النص على شروط الإعفاء والتخفيف من المسئولية تصدى القضاء الفرنسي لوضع هذه الشروط، وقضى في بادئ الأمر باعتبارها اتفاقات على نقل عبء الإثبات من على عاتق المدين إلى الدائن، وقد أستمر على هذا الأمر لفترة طويلة إلى أن أستقر على إعمال المبادئ العامة من حيث حرية التعاقد وسلطان الإرادة؛ حتى أصبحت القاعدة العامة هي صحة شروط تعديل المسئولية إلا في حالات الغش والخطأ العمدي والخطأ الجسيم([14])

خلاصة ما تقدم:  مما سبق يبين أن هناك تشابها بين الإعفاء من الضمان والإعفاء من المسئولية من حيث جوازهما، والآثار المترتبة على كل منهما إلا أنهما يتميزان عن بعضهما من حيث الوسيلة التي تؤدي إلى نتيجة كل منهما، فالإعفاء من الضمان يؤدي إلى إعفاء مورد البرنامج من التزامه بالضمان الناتج عن العقد، ويعد هذا الإعفاء نتيجة للإعفاء من الالتزام في حين أن الإعفاء من المسئولية لا يؤثر على قيام الالتزام العقدي، وإنما يبقي عليه بحيث يبقى المورد ملتزما به فهو ملتزم بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل، حيث إذا لم يتم تنفيذ ذلك فلا تنشأ مسئولية بالتعويض على عاتقه.([15])    

المبحث الثاني: كيفية تعديل أحكام ضمان العيوب الخفية

تعد أحكام ضمان العيوب الخفية مقررة ومفسرة لإرادة المتعاقدين، ويكون لهما الحق في الاتفاق على ما يخالفها؛ فهي ليست آمرة.([16])

ويتم تعديل أحكام ضمان العيب الخفي بموجب اتفاق بين المورد والمستخدم، والذي يتضح من خلال ما نصت عليه م 453 مدني مصري، وما نصت عليه م 1643 مدني فرنسي التي نصت على أن "البائع ضامن للعيوب الخفية، ولو لم يكن عالما بها إلا إذا اشترط في هذه الحالة ألا يكون ملزما بأي ضمان".

والإعفاء من الضمان يكون بشرط خاص ْمنفصل عن الشروط العامة للعقد يتفق عليه المتعاقدان، وليس من الضروري ذكر الشرط في أحد بنود العقد، بل يصح أن يذكر فيما يكمله كملحقه، ولكن يجب أن يكون هذا الشرط محددا تحديدا دقيقا؛ لكونه شرطا استثنائيا لا يجوز التوسع في تفسيره.([17])

ويجب أن يكون هذا الاتفاق على إسقاط الضمان أو إنقاصه أو تشديده صريحا أو ضمنيا، ولا يجوز افتراضه، فيجوز أن يستخلص هذا الاتفاق من ظروف الحال، ولكن يجب أن يثبت اتجاه إرادة المتعاقدين إلى استبعاد أحكام الضمان بالإسقاط أو بالإنقاص أو بالتشديد.([18])

ويستوي أن يرد هذا الاتفاق كأحد بنود العقد أو في اتفاق لاحق، وفي جميع الأحوال يشترط ثبوت اتجاه إرادة الطرفين إلى تعديل أحكام الضمان.([19])

ولكن إذا نص على التعديل في اتفاق لاحق على التعاقد، فإن عبء الإثبات يتحمله من يتمسك بهذا الاتفاق، ولا يكفي لهذا تمسكه بورقة صادرة منه تتضمن تصريحا بتعديل أحكام الضمان، إذ لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه بنفسه، بل تعتبر هذه الورقة بمثابة اقتراح من جانبه بالتعديل، وتحتاج إلى قبول الطرف الآخر؛ حتى يعتد بها كاتفاق على التعديل، وإن عجز عن الإثبات تسري عليه أحكام الضمان القانوني.([20])

ولا يعتبر قبولا بشروط تعديل الضمان طبع الشروط على إيصالات وفواتير أرسلت من قِبَل المورد إلى المستخدم بعد إبرام العقد؛ إعمالا واحتراما للمبدأ العام والأساسي في مجال نظرية العقد (القوة الملزمة للعقد).([21])

ولكي ينتج الاتفاق المكتوب بين المتعاقدين بشأن أحكام الضمان أثره يجب أن يزيل بتوقيع كل منهما، ويستفاد من ذلك معرفة كل من المتعاقدين بالشروط الواردة في العقد، وموافقتهما عليها سواء كانت هذه الشروط مطبوعة أو مكتوبة يدويا؛ إعمالا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين؛ ولهذا لا يجوز لأي من المتعاقدين أن يدعي جهله بهذه الشروط المكتوبة، حيث يمثل ذلك مخالفة للمحرر المكتوب، ولا يجوز بالتالي إثباته إلا بالكتابة، وبما أن العقد لا يتضمن عكس الشرط المطبوع، فيتعين ترتيب آثاره القانونية.([22]) 

ولخطورة ذكر شروط الإعفاء في مستند مستقل عن العقد، والتي تتمثل في أن المستخدم غالبا لا يلتفت لمثل هذه المستندات، ويضع جل اهتمامه على العقد وما يرد به من بنود تدخل القضاء الفرنسي؛ لحماية المستخدمين الذين يمثلون الطرف الضعيف في مثل هذه العلاقة التعاقدية، وخاصة مجال التعاقد على البرامج من مثل هذه الشروط، فرفض الاعتداد بها رغم توقيع المستخدم عليها طالما أنّها وردت في مستند منفصل عن العقد.([23])

إلا أن الفقه الفرنسي قد انتقد هذا الموقف المتشدد من قِبَل القضاء الفرنسي، وأكد على ضرورة الأخذ بالشروط الواردة في مستند منفصل عن العقد؛ معللا ذلك بأنّه لا مجال للانحراف عن مبدأ تفسير النص الواضح لمجرد الرغبة في توفير الحماية للمستخدم.([24])

وقد يقوم المتعاقدان بتدوين بعض شروط تعديل أحكام الضمان بالعقد بخط اليد، والتي قد تتعارض مع الشروط المطبوعة، وفي هذا الصدد ذهب القضاء المصري والفرنسي إلى تغليب الشروط المكتوبة يدويا؛ لأنها تعبر عن النية المشتركة للمتعاقدين، ولكن هذا لا يمنع قيام القاضي بالتوفيق بين الشرط المطبوع والشرط المكتوب يدويا، فإن أمكنه ذلك وجب تطبيق كليهما.([25])

ولا يلتزم المتعاقد بالشرط الخاص بتعديل أحكام الضمان الواردة في الإعلانات أو اللوحات إذا لم يرد ذكره في العقد، حيث يمثل ذلك تعبيرا عن الإرادة المنفردة، ولا تدخل في النطاق العقدي إلا إذا ثبت علم المتعاقد الآخر بها وموافقته عليها في تاريخ سابق على إبرام العقد، وهو ما يصعب إثباته.([26])

وكما أن شرط تعديل أحكام الضمان يرد صريحا في العقد كذلك يجوز لقاضي الموضوع أن يستنبط نية المتعاقدين؛ لتعديل الضمان بناء على اتفاق ضمني مستمد من الظروف المختلفة التي يستنبط منها تحقيق النية المشتركة للمتعاقدين المتجهة دون غموض إلى تعديل أحكام الضمان القانوني.([27])

وقد يرد شرط تعديل أحكام الضمان شائعا في عقد البرنامج، حيث يصبح هذا الشرط مألوفا في هذا المجال، وفي هذه الحالة لا يجوز لقاضي الموضوع إهمال هذا الشرط؛ تأسيسا على أن أحد طرفي العقد قد نص عليه دون أن يمثل في الحقيقة نيتهما المشتركة، وفي هذه الحالة يقع على من يدعي من الطرفين عدم الأخذ بهذا الشرط عبء إثبات ذلك؛ حتى يمكن للقاضي استبعاد الآثار القانونية المترتبة على إعماله شريطة أن يكون هذا الإثبات بالكتابة بالنسبة للعقد المكتوب؛ لأنّه يخالف أو يجاوز الشروط المكتوبة الواردة في العقد، وذلك إعمالا لنص م 68 /1 إثبات مصري.([28])

ولا يجوز إهمال الأخذ بالشرط المألوف إلا في حالة تعارضه مع النية المشتركة للمتعاقدين والمستمدة من مجموع نصوص العقد، أو من شرط آخر يعكس القصد الحقيقي للمتعاقدين يتضمن تكذيبا للشرط المألوف؛ إعمالا لقاعدة عدم تجزئة شروط العقد عند تفسيرها.([29])

وقد تتضمن أحيانا اتفاقات الضمان بنودا تحمل أكثر من معنى أي تكون غامضة في عباراتها وبالتالي فهي تحتاج إلى تفسير، وقد نص المشرع الفرنسي على هذا الأمر من خلال ما نصت عليه م 1602 من إلزام البائع بتوضيح ما يلتزم به المشتري، فإذا تبين وجود غموض أو إبهام في العقد فسر هذا الغموض ضده سواء كان دائنا أو مدينا، وبالتالي فإن تفسير هذه البنود يكون لمصلحة المشتري، ولكن يجب تفسيرها بطريقة ضيقة؛ لأن بنود الاتفاق على تعديل أحكام الضمان تعد استثناء لمبدأ الضمان القانوني، وقد يتعمد الموردون تضمين عقودهم بعض العبارات والصفات التي توحي بضمانهم هذه الصفات؛ لتشجع المستخدمين على التعاقد معهم.([30])

   أما المشرع المصري فقد خالف المشرع الفرنسي، وفسر البنود الغامضة لمصلحة المورد([31])كونه المدين بضمان العيوب الخفية مراعيا ما قضت به م151 مدني.([32])

المبحث الثالث: صور الاتفاق على تعديل أحكام ضمان العيوب الخفية

حيث إن أحكام ضمان العيوب الخفية ليست من النظام العام؛ ولهذا يجوز الاتفاق فيما بين المتعاقدين على تعديلها سواء بتخفيف الضمان أو تشديده أو إسقاطه.

ودائما ما يسعى موردو المنتجات الحديثة ذات الطابع التكنولوجي والتي منها برامج الحاسب الآلي إلى تضمين عقود هذه البرامج بعض الشروط التي تؤدي إلى تعديل أحكام ضمان العيب الخفي سواء بالإعفاء أو التخفيف منها.

ويُقبل موردو برامج الحاسب الآلي على إدراج هذه الشروط في عقودهم اعتمادا على قدرتهم على إثبات عدم تعمدهم إخفاء هذه العيوب غشا للمستخدمين طبقا لما ينص عليه القانون المدني المصري أو عدم علمهم بهذه العيوب وفقا لما ينص عليه القانون المدني الفرنسي، أو لأنهم يستغلون جهل المستخدمين بوجود الضمان القانوني وحدوده، وما يكفله المشرع له من حماية.([33])

وقد استخدم الموردون في سبيل تعديل أحكام ضمان العيب الخفي من حيث تقييده أو استبعاده بما يعود بالنفع على مصالحهم صورا عدة منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو حديث، وهذا ما ستتم دراسته من خلال المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: الصور التقليدية لتعديل أحكام الضمان

تنحصر الصور التقليدية لتعديل أحكام الضمان في الاتفاق على إعفاء المورد من التزامه بضمان العيوب الخفية التي تلحق البرنامج أو تخفيف هذا الالتزام.

إلا أن هذه الاتفاقات لا تعد في صالح المستخدم؛ لأنها تحرمه من الحماية التي كفلها له القانون، وكذلك فإن هذه الاتفاقات قد تؤدي إلى عدم تنفيذ المورد لالتزامه العقدي تنفيذا صحيحا، وهو ما يؤدي إلى إلحاق المجتمع بأضرار اقتصادية فادحة.([34])

ويميل الباحث إلى أنه في مجال التعاقد على برامج الحاسب الآلي تزداد خطورة مثل هذه الشروط؛ نظرا لاحتكار شركات عالمية كبرى توريد وتصميم هذه البرامج، ففي ظل حاجة المستخدم للحصول على البرنامج يضطر لقبول هذه الشروط التي تكون مجحفة بالنسبة له.

إلا أن المشرع قد انتبه لمثل هذه الظروف التي يتم فيها التعاقد، فاشترط ضرورة توافر حسن نية المورد؛ لترتيب الأثر القانوني لهذه الشروط ( م 217 | 2 مدني مصري) وعند الحديث عن الصور التقليدية لتعديل أحكام الضمان ستتم دراستها من حيث شروط الإعفاء وشروط التخفيف من خلال الفرعين الآتيين:

الفرع الأول: الشرط الصريح بالإعفاء من ضمان العيوب الخفية

تتحقق صورة الإعفاء الصريح من ضمان المورد للعيوب الخفية من خلال النص عليها صراحة بالعقد، حيث ينص على عدم مسئولية المورد عن ضمان العيب الخفي في البرنامج في حالة وجوده.([35])

وغالبا ما ترد هذه الصورة من صور الإعفاء في العقود الواردة على الأشياء المستعملة كأن يتعاقد المستخدم على برنامج مستعمل، وفي هذه الحالة يعمد المورد إلى وضع شروط تتضمن إعفاءه من ضمان العيوب الخفية والظاهرة بالبرنامج، وتتحقق هذه الحالة في عقود بيع أجهزة الحاسب أو برامجه عامة سواء برامج خاصة أو تطبيقية.([36]).

ووفقا للقواعد العامة فإن هذه الشروط تعد صحيحة واجبة الاحترام؛ تطبيقا لنص م 217 /2 مدني مصري، ولكن هذه الصحة ليست مطلقة، فقد قيدها المشرع الفرنسي بعدم ارتكاب المورد غشا أو خطأ عمديا أو جسيما، وكذلك قيدها المشرع المصري بعدم غش المورد للمستخدم.([37]).

ويجب أن يقع تعمد المورد إخفاء العيب؛ غشا منه على العيوب الخفية، فإذا لم يكن العيب خفيا أي لم  تتحقق فيه شروط العيب الخفي، فإن شرط الإعفاء من الضمان لا يكون باطلا، ولو تعمد المورد إخفاءه؛ غشا منه عن المستخدم.([38]).

وفي هذه الحالة يعفى المستخدم من إثبات تعمد المورد إخفاء العيب غشا منه؛ لأنها قرينة مفترضة غير قابلة لإثبات العكس؛ وعليه لا يجوز للمورد أن يثبت أنه لم يتعمد إخفاء العيب؛ غشا منه؛ لأنه ثبت بالفعل ولا جدوى من نفيه بإثبات العكس، ويقوم افتراض تعمد المورد هذا على أساس عدم كفاية المستخدم الفنية، ومن ثم يكون شرط الإعفاء من الضمان باطلا.([39])

وتعد هذه الصورة من صور الإعفاء استثناء على الأصل (إلزام المورد بضمان العيوب الخفية) لذا فإن القضاء يلتزم بتفسيرها تفسيرا ضيقا؛ بحثا عن النية المشتركة للمتعاقدين.([40])

ويترتب على صحة شرط الإعفاء من الضمان عدم ضمان مورد البرنامج أي عيب يظهر في هذا البرنامج، ولا يكون للمستخدم أن يرجع بشيء على المورد، وبهذا فإن شرط الإعفاء من ضمان العيوب الخفية يختلف عن شرط الإعفاء من ضمان التعرض والاستحقاق، فالأول يعفي المورد من رد قيمة البرنامج ومن التعويض، أما الإعفاء الثاني لا يعفي المورد إلا من التعويض فقط، وأما رد قيمة البرنامج وقت الاستحقاق تبقى دون أن يؤثر فيها هذا الشرط.([41])

الفرع الثاني: الشرط الصريح بالتخفيف من ضمان العيوب الخفية

ويتحقق هذا الشرط عندما يتفق المتعاقدان (المورد والمستخدم) على إدراج شرط واضح وصريح ينص على إنقاص التعويض المستحق للمستخدم عن وجود عيب خفي بالبرنامج .

وهذا الشرط طبقا لأحكام القواعد العامة يعد شرطا صحيحا لا يؤثر في صحته أن يكون قد ورد على معاملات أحد أطرافها مهني محترف، إلا أن القضاء الفرنسي قد قضى بأن صفة الاحتراف قرينة على علم المورد بالعيب؛ مما يعني افتراض سوء نيته الأمر الذي يؤدي إلى إبطال شروط التخفيف.([42])

ويتضح من هذا الشرط أن المورد يبتغي من وراء إدراج هذا الشرط أن يتخلص جزئيا من التزامه بتعويض المستخدم عن الأضرار التي لحقت به؛ جراء ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب نتيجة ظهور العيب بعد إبرام العقد واستلام البرنامج.([43])

الفرع الثالث: شرط التصرف تحت مسئولية المستخدم

ويقصد بهذا الشرط قيام المورد بوضع شرط في العقد ينص على أن التصرف في البرنامج بموجب هذا العقد قد تم تحت مسئولية المستخدم، وبهذا الشرط لا يحق للمستخدم الرجوع على المورد بضمان هذا العيب إذا ما وجد بالبرنامج .

وبمقتضى هذا الشرط يتهرب المورد من ضمان العيب الخفي بالبرنامج سواء أكان عالما بوجود هذا العيب أم غير عالم بوجوده، وسواء أكان المستخدم يعلم بوجود العيب أم لا مقابل تخفيض ثمن البرنامج .([44])

ويرى جانب من الفقه أن ورود هذا الشرط صريحا في العقد يعد أمرا نادر الحدوث؛ حيث إن ذكره بهذه الصراحة يطبع أثرا سيئا في نفس المستخدم لما تثيره هذه الصراحة من شكوك حول حسن نية المورد، وحالة البرنامج محل التعاقد، كما أن ذكر هذا الشرط صراحة يؤدى إلى سوء سمعة المورد وفقده الكثير من عملائه كما يؤدي أيضا إلى خضوع هذا الشرط من حيث صحته لحسن نية المورد، إلا أن حسن النية مفتقد بالنسبة للمورد كونه محترفا، وذلك تطبيقا لقاعدة ( البائع المحترف بالبائع العالم بالعيب).([45]) 

ويسلم الفقه المصري بصحة هذا الشرط؛ إعمالا لما نصت عليه م 453 مدني مصري، ويجب العمل بمقتضاه طالما أنه ورد صريحا في العقد، ولم يكن المورد قد تعمد إخفاء هذا العيب، أو ارتكب غشا عند إبرام العقد حيث يمثل هذه الحالة اشتراط المورد عدم مسئوليته عن الغش وهذا لا يجوز.([46])

وما نصت عليه م 446 /2 مدني مصري الخاصة بضمان الاستحقاق، حيث يكون المستخدم في هذه الحالة قد تعاقد على ساقط الخيارــ أي عالما بأن تعاقده احتمالي، وقد أقدم عليه؛ مخاطرة منه.([47])

وأقر الفقه الفرنسي هذا الشرط في حالة إدراجه بواسطة المورد المحترف مستندا لنص م 1629 مدني فرنسي، والتي تجيزه في ضمان الاستحقاق، فهو يقيس جوازه في ضمان العيوب الخفية على جوازه في ضمان الاستحقاق.([48])

إلا أن هذا الاتجاه الفقهي قد تعرض للنقد؛ لأنه وإن كان متوافقا مع أحكام القانون المدني المصري الذي يرى جواز هذا الشرط حتى في حالة علم المورد بالعيب طالما لم يرتكب غشا، ولم يتعمد إخفاء العيب، إلا أنه يعتبر اتجاها متشددا من جانب الفقه الفرنسي الذي لا تسمح نصوص القانون المدني فيه بالإعفاء من الضمان في الحالات التي يعلم فيها مورد البرنامج بوجود العيب بالبرنامج.([49])

وقد أدى هذا النقد إلى ظهور اتجاه فقهي آخر يعارض صحة هذا الشرط بدعوى أنه يتضمن إعفاء للمورد من كتمانه للعيب، مع العلم أن هذا الكتمان يعد خطأ من جانب المورد لا يَشترط إعفاءه منه بشرط في العقد، وخاصة أن هذا المورد يعتبر محترفا قياسا بالمستخدم الذي يعتبر طرفا ضعيفا.([50])

 ويميل الباحث: إلى أن النص على مثل هذا الشرط في عقود برامج الحاسب الآلي يعتبر من الشروط التعسفية التي يضطر المستخدم لقبولها، وخاصة إذا كان في حاجة ضرورية للحصول على البرنامج ؛ وذلك في ظل هيمنة واحتكار بعض الشركات العالمية الكبرى على صناعة البرامج التي يحتاجها الكثير من المستخدمين .

المطلب الثاني: الصور الحديثة لشروط تعديل أحكام ضمان العيوب الخفية

كما أن هناك صورا تقليدية اتبعها المورد لتعديل أحكام ضمان العيوب الخفية بما يتناسب مع مصلحته الاقتصادية، إلا أن هذه الصور قد أثارت تخوف الكثير من المستخدمين، الأمر الذي حدا بالموردين إلى ابتكار صور حديثة لتعديل أحكام الضمان؛ للحد من تخوف المستخدمين ولتفادي النظم التشريعية والقضائية التي تهدف إلى حماية المستخدم أمام احتراف وخبرة مورد البرنامج.

ولدراسة هذا الموضوع ستتم دراسة هذا المطلب من خلال تقسيمه إلى فرعين:  يتناول الفرع الأول دراسة الصور الحديثة لشروط تخفيف أحكام الضمان، ويتناول الفرع الثاني دراسة الصور الحديثة لشروط الإعفاء من ضمان العيوب الخفية .

الفرع الأول: الصور الحديثة لشروط التخفيف

لعل من أهم الصور الحديثة لتحديد مسئولية الموردين عند ظهور عيوب خفية بالبرنامج ما يعمدون إليه من تضمين العقد شرطا يقضي بتحديد مدة ضمان العيب أو شرطا ينص على قصر الضمان على إصلاح العيب الذى أصاب البرنامج مثل: قيامه بإزالة ما يصيب البرنامج من فيروسات تعوقه عن أداء المنفعة المقصودة منه.

وستتم دراسة هذين الشرطين من خلال النقطتين الآتيين:

أولاــ شرط تحديد مدة الضمان:

يلجأ المورد من خلال شرط  تحديد مدة الضمان إلى النص على تحديد مدة ضمانه للعيب، ويتحقق ذلك عندما يشترط المورد على المستخدم أن مدة الضمان تبدأ من تاريخ إبرام العقد وليس من تاريخ التسليم .([51])

علما بأن مورد البرنامج يعلم تماما عدم صحة هذا الشرط، إلا أنه يصر على تدوينه بالعقد؛ ليحجب به دعوى المستخدمين من غير ذوي الخبرة القانونية الذين يثقون بالعقد المكتوب من قبل المورد، والذي دائما ما يعمد إلى مزج هذا الشرط بالضمان الاتفاقي الذي يحمل مزايا إضافية عما يتيحه الضمان؛ مما يؤدي إلى إيهام المستخدم بأنه بمجرد انتهاء المدة المحددة في الضمان الاتفاقي تنقضي مسئولية هذا المورد بشأن ضمان العيوب جميعها.([52])

وقد ثار خلاف فقهي بشأن إمكانية الاتفاق على إنقاص مدة الضمان بين مؤيد ومعارض لشرط إنقاص مدة الضمان، حيث ذهب الاتجاه الأول إلى إمكانية الاتفاق على إنقاص مدة الضمان مستندا في ذلك إلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني، حيث ورد بها أن أحكام الضمان ليست من النظام العام؛ وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفتها بالنص على زيادة الضمان أو إنقاصه، واستند هذا الاتجاه إلى صراحة نص م 453 مدني والتي أجازت الاتفاق على إنقاص الضمان أو إسقاطه كلية، ومن ثم ليس هناك ما يمنع من تقصير مدة دعوى الضمان كوسيلة يلجأ إليها المورد للتخفيف من التزامه بالضمان. ([53])

ويرى أنصار هذا الرأي: أن جواز الاتفاق على تقصير مدة الضمان يؤدي إلى استقرار التعامل؛ وعليه فإن هذا الاتفاق يتفق مع السياسة التشريعية لنظام الضمان.([54])

وعلى الرغم من قوة أسانيد هذا الاتجاه إلا أنه قد تعرض للنقد من جانب بعض الفقهاء الذين يرون عدم جواز الاتفاق على تقصير مدة الضمان، وحجتهم أن جواز الاتفاق على تقصير المدة يعد مخالفة لما نصت عليه الفقرة الأولى من م 388 مدني مصري التي تمنع الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون، واستندوا إلى أن المشرع عندما أجاز الاتفاق على إطالة مدة الضمان لأكثر من سنة؛ لأنه ورد في هذا الشأن نص صريح (م 452 | 1 مدني مصري) ويعد هذا من قبيل الاستثناء الذي لا يقاس عليه، ولا يوسع في تفسيره؛ وبالتالي لا يجوز أن يمتد هذا الاستثناء إلى تقصير مدة الضمان.([55])

والقول بجواز الاتفاق على تقصير مدة تقادم دعوى الضمان يتفق مع السياسة التشريعية لنظام الضمان، لا يبرر إهدار التنظيم القانوني الآمر لمسائل تتعلق بالنظام العام، والتي من بينها تحديد مدة التقادم، والقول بغير ذلك يعني إهدار التفرقة بين القواعد الآمرة التي تحمي حقوقا ومصالح تتعلق بالنظام العام، والتي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، وبين القواعد المكملة التي تحمي حقوقا ومصالح لا تتعلق بالنظام العام، ويجوز بالتالي الاتفاق على ما يخالفها، وهو أمر لا يقول به أحد.([56])

ويرجح الباحث: ما ذهب إليه الاتجاه الثاني؛ لما يرى فيه من رجاحة الحجة ومراعاة منه لمصلحة المستخدم الذي يعد طرفا ضعيفا مقارنة بالمورد، فإن مدة التقادم تتعلق بالنظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، ولذلك يرى الباحث ضرورة تدخل المشرع بالنص صراحة على بطلان الاتفاق الخاص بتقصير مدة الضمان حماية للمستخدم الذي يفتقد الخبرة الكافية في مجال البرامج.

ثنيا: شرط إصلاح العيب الموجب للضمان:

وتتحقق هذه الصورة في مجال برامج الحاسب الآلي عندما ينص العقد على التزام المورد بمتابعة البرنامج خلال فترة الضمان وإصلاح ما به من عيب نتج عنه إصابة البرنامج بفيروس يؤدي إلى تعطيل عمله. 

ولكن هذا الشرط غالبا ما يؤدي إلى إعفاء المورد من مصاريف انتقال وأجور الفني المتخصص بإصلاح العيب، الأمر الذي يمثل عبئا على المستخدم، قد ينص المورد من خلال هذا الشرط على أن الضمان لا يشمل ما يستجد من عيوب بعد انتهاء المدة المحددة، مما يؤدي إلى اعتبار هذا الشرط مزيجا من إنقاص مدة رفع دعوى الضمان، وقصر الضمان على إصلاح العيب.([57])

وبصدد جواز أو عدم جواز النص على هذا الشرط قد ذهب المشرع المصري إلى إجازة النص علي هذا الشرط طالما أن المورد لم يرتكب غشا، ولم يتعمد إخفاء العيب.([58])

أما في فرنسا فقد قاوم القضاء الفرنسي هذا الشرط، وإن كان يحقق للمستخدم مزايا حقيقية تتمثل في إعادة البرنامج إلى الحالة التي يصلح معها لأداء وظيفته، إلا أن هذا الشرط يتضمن في ذات الوقت تحديدا غير مقبول لالتزامات المورد الأخرى، والتي من أهمها تعويضه للمستخدم عن الأضرار الناتجة عن هذا العيب، مما دفع القضاء الفرنسي لعدم الاعتداد بهذا الشرط مستندا إلى أنه لا يجوز تعطيل الضمان الاتفاقي للضمان القانوني.([59])

    وقد لجأ القضاء الفرنسي إلى التخفيف من حدة هذه الشروط بإعطاء المستخدم الحق في طلب فسخ التعاقد عندما يثبت له أن العيب غير قابل للإصلاح.([60])

الفرع الثاني: الصور الحديثة لشروط الإعفاء من الضمان

يسعى الموردون إلى إعفائهم نهائيا من التزامهم بضمان العيوب الخفية؛ نظرا لأن الصور التقليدية لشروط الإعفاء من الضمان أثارت تخوف الكثير من المستخدمين من الإقبال على التعاقد، الأمر الذي حدا بهؤلاء الموردين لتضمين عقودهم صورا حديثة لشروط إعفائهم من الضمان يصعب على المستخدم عديم الخبرة القانونية إدراك خطورة مثل هذه الشروط.

وكما ذكر آنفا فإن المشرع المصري أجاز للمورد أن يشترط إعفاءه كلية من ضمان العيوب الخفية إعمالا لنص م 453 مدني طالما لم يرتكب غشا، ولم يتعمد إخفاء العيب عن المستخدم.

ومن هذه الصور الحديثة التي يضعها المورد عند إبرام العقد بقصد إعفائه من التزامه بضمان العيب الخفي ما ستتم دراسته في النقاط الآتية:

أولا ـــ النص على الشرط في وثيقة منفصلة عن العقد:

ويظهر هذا الشرط عندما يقوم المورد بالنص عليه في وثيقة منفصلة عن العقد، ودائما ما يتم تدوين هذا الشرط في مكان يؤثر بدرجة كبيرة على علم ورضاء المستخدم؛ لأن هذا المستخدم غالبا لا ينظر إلى المستندات الأخرى.([61])

وقد عرض على القضاء الفرنسي أكثر من نزاع متعلق بهذا المستند، ولكنه لم يتخذ موقفا موحدا بشأنه.([62])

وقد انتقد بعض فقهاء فرنسا الموقف المتشدد في تفسير مثل هذه الشروط، وأكدوا على ضرورة العمل بمقتضى هذه الشروط، حيث لا مجال للانحراف عن مبدأ تفسير النص الواضح؛ لمجرد الرغبة في حماية الطرف الضعيف.([63])

ويميل الباحث: إلى عدم الاعتداد بمثل هذه الشروط لورودها في مستند منفصل عن العقد الذي اطلع عليه المستخدم، وقام بالتوقيع عليه، كما أن عدم ذكر هذا الشرط صريحا في العقد الأصلي يؤدي إلى الشك في حسن نية المورد قِبَل المستخدم الذي لا يتمتع بالخبرة القانونية الكافية لتفنيد بنود هذا المستند.

ثانيا ــ شرط إضافة التزامات على عاتق المستخدم  تؤدي إلى إعفاء المورد من الضمان:

تتحقق هذه الصورة عندما يعمد المورد إلى إضافة التزامات إضافية على عاتق المستخدم يعجز المستخدم عن الوفاء بها، الأمر الذي يؤدي إلى إعفاء هذا المورد من التزامه بضمان العيب الخفي.

ومن هذه الالتزامات التي يشترطها المورد النص على إلزام المورد بالفحص الدوري للبرنامج بمقر المورد خلال مدة يتفق عليها الطرفان، وفي حالة تخلفه عن الميعاد المحدد للفحص يسقط حقه في الضمان إذا ما أصاب البرنامج عيب يؤثر على منفعته.([64])

ثالثا ـــ شرط التصرف في البرنامج بالحالة التي عليها عند التعاقد:

ويرد هذا الشرط عند التعاقد على البرامج المستعملة، والتي غالبا ما تكون عبارة عن برامج تشغيل أو برامج تطبيقية يمكن استخدامها من قبل أكثر من مستخدم، وبموجب هذا الشرط لا يلتزم المورد بتعويض المستخدم عن أي ضرر يصيبه؛ نتيجة ظهور عيب بالبرنامج، وهذا الشرط يعتبر صحيحا في ظل أحكام القانون المصري طالما أن المورد لم يتعمد إخفاء العيب، أو لم يرتكب غشا.([65]) 

أما في فرنسا قد ذهبت بعض المحاكم الفرنسية إلى إقرار هذا الشرط كسبب يؤدي إلى الإعفاء من الضمان، [66]إلا أن الاتجاه الغالب في القضاء الفرنسي ذهب إلى اعتبار هذا الشرط لا يتضمن إعفاء من ضمان العيوب الخفية، بل إن المحكمة العليا الفرنسية أقرت هذا المبدأ حتى وإن أقر المستخدم برضائه بالبرنامج وقبوله له بحالته،[67] وخاصة إذا توافر في المورد صفة الاحتراف مستندا إلى قرينة قضائية مقتضاها افتراض علم البائع المحترف بالعيب الخفي، وافتراض سوء نيته عن فرض مثل هذا الشرط.([68])

خلاصة ما تقدم: إذا ثبت صحة شرط تعديل أحكام الضمان كان للمورد الحق في أن يحتج لا على المستخدم وحده بل أيضا على كل من يحتج عليه بالضمان مثل الخلف العام أو الخاص للمستخدم، وكذلك فإن حق المورد في شرط تعديل الضمان ينتقل إلى وارثه، فيحق له أن يحتج على المستخدم كما كان يحتج به مورثه، وأيضا فإن كفيل المورد له الحق في الاحتجاج بهذا الشرط إذا رجع عليه المستخدم بالضمان طبقا للقواعد المقررة في الكفالة، ولكن لا يتصور انتقال هذا الحق إلى الخلف الخاص لمورد البرنامج.([69])

وبعد أن تمت دراسة الشروط التي تؤدي إلى تعديل أحكام الضمان سواء بالتخفيف أو الإعفاء من التزام المورد بضمان العيب الخفي في حالة ظهوره بالبرنامج، فهنا يثور سؤال مقتضاه هل يسقط حق المستخدم في الحصول على حقه جراء ما أصابه من  ضرر بسبب هذا العيب في حالة إعفائه من التزامه بالضمان؟

في هذا الصدد نقول بأن حق المستخدم يسقط في رفع دعوى ضمان العيب الخفي في حالة شروط الإعفاء، وقد تؤدي شروط التخفيف إلى التقليل من أهمية هذه الدعوى إلا أنه للحصول على حقه قد يضطر للبحث عن وسائل قانونية أخرى من النصوص التشريعية والمبادئ العامة ملتمسا فيها تعويض ما فاته.([70])

 

الخاتمة:

1ـ النتائج :

خلص البحث إلى أن هناك تشابها بين الإعفاء من الضمان والإعفاء من المسئولية من حيث جوازهما، والآثار المترتبة على كل منهما إلا أنهما يتميزان عن بعضهما من حيث الوسيلة التي تؤدي إلى نتيجة كل منهما، فالإعفاء من الضمان يؤدي إلى إعفاء مورد البرنامج من التزامه بالضمان الناتج عن العقد، ويعد هذا الإعفاء نتيجة للإعفاء من الالتزام في حين أن الإعفاء من المسئولية لا يؤثر على قيام الالتزام العقدي، وإنما يبقي عليه بحيث يبقى المورد ملتزما به فهو ملتزم بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل، حيث إذا لم يتم تنفيذ ذلك فلا تنشأ مسئولية بالتعويض على عاتقه.

  وكذلك أكدت الدراسة على أن أحكام ضمان العيب الخفي ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على تعديلها سواء بالزيادة، أو بالإنقاص، أو بالإعفاء وذلك طبقا لأحكام القانون المدني في حين أن قانون حماية المستهلك المصري رقم 181 لسنة 2018 قد نص بالمادة 28 منه على بطلان أي شرط من شأنه خفض أيا من التزامات المورد الواردة في هذا القانون، أو لائحته التنفيذية، أو إعفائه منها .

2ـ التوصيات:

1-  توصى الدراسة بضرورة النص على سقوط دعوى ضمان العيب الخفي بانقضاء عامين من تاريخ اكتشاف العيب على غرار ما قام به المشرع الفرنسي في التشريع المدني المعدل، أو انقضاء خمس سنوات من تاريخ التسليم ما لم يثبت تعمد إخفاء العيب من قبل المورد؛ حيث إن مدة سنة لسقوط دعوى الضمان تعد قصيرة خاصة أن المستخدم يعد طرفا ضعيفا مقارنة بالمورد.                                                                                                   

2ـ ضرورة تدخل المشرع بالنص على تعديل نص المادة 453 لينص صراحة على بطلان كل شرط يقضى بانقاص الضمان أو إسقاطه سواء تعمد المورد إخفاء العيب من عدمه وذلك نظرا لدقة صناعة البرنامج والتي يصعب على المستخدم الذي يفتقد الخبرة الكافية في مجال البرامج اكتشاف ما بها من عيوب.



[1] قد نص قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 فقد نص في المادة الثامنة والعشرون منه على بطلان كل شرط يرد في عقد أو وثيقة أو مستند أو غير ذلك، مما يتعلق بالتعاقد مع المستهلك، إذا كان من شأنه خفض أي من التزامات المورد الواردة بهذا القانون أو لائحته التنفيذية أو إعفاؤه منها.

[2] د.عبدالهادى فوزي العوضي ، البرمجيات الحرة في القانون المصري ، دار النهضة  ، 2012م ،  ص194.

[3] د. خالد جمال احمد حسن ، الحماية القانونية للمستهلك في اتفاقات الإعفاء من المسئولية العقدية ، دار النهضة ، 2006م ،  ص 106 وما بعدها.

[4] د. حسن عبدالباسط جميعي ، شروط التخفيف والإعفاء من ضمان العيوب الخفيةدراسة مقارنة  ، بدون دار    نشر ،1993، ص 14.

[5] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 14.

[6] د. عمرو عبدالمنعم دبش، الوافي في شرح ضمان العيوب الخفية في عقد البيع ، دار الفكر الجامعي ، 2012م ، ص 341.

[7] د. سمير كامل ،  ضمان العيوب الخفية في بيع الاشياء المستعملة ، دار النهضة ، 1991م ، ص 159.

[8] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 16.

[9] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 18    وتتمثل المشكلات القانونية في أنها جعلت من غير المتعاقد أفضل وضعا من المتعاقد، حيث أن غير المتعاقد قد يلجأ إلى المطالبة بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية. أما المشكلات العملية تتمثل في أن المستخدم لا يستطيع مطالبة المورد بتعويضه عن الأضرار التي تصيبه جراء استخدامه للبرنامج، وكذلك لا يستطيع الرجوع على شركات التأمين التي قد ترفض أحيانا التأمين على البرامج التي تعد منقول معنوي قد تتعرض للتلف في أي وقت بسب بعض الفيروسات المدمرة، أو لعدم رغبة المورد في التأمين بهدف خفض تكلفة الانتاج، وهذا ما يتماشى منطقيا مع رغبته في التنصل من المسئولية عن طريق شروط الإعفاء. د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق، ص  343.

[10] د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق ،  ص  353.

[11] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 16.

[12] د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق ،  ص  354  في حين أن قانون حماية المستهلك المصري رقم 181 لسنة 2018 قد نص في المادة 28 منه على أنّه " يقع باطلا كل شرط يرد في عقد أو وثيقة أو مستند أو غير ذلك مما يتعلق بالتعاقد مع المستهلك إذا كان من شأنه خفض أي من التزامات المورد الواردة بهذا القانون أو لائحته التنفيذية أو إعفاؤه منها"  ومع أن هذا النص قد =حقق ميزة للمستخدم إلا أن ما ورد به يمثل قيد غير مبرر على مبدأ أساسي من المبادئ القانونية العامة في مجال التعامل. وهو مبدأ سلطان الإرادة بصفة عامة، ومبدأ الحرية التعاقدية بصفة خاصة، ولذلك يجب الاعتراف للطرفين بالحرية الكاملة في تعديل أحكام المسئولية سواء في ذات العقد، أو في اتفاق لاحق عليه طالما لا تصطدم بفكرة النظام العام والآداب . د. خالد جمال احمد حسن ، مرجع سابق ، ص94.

[13] د. حسن عبدالباسط جميعي ،  مرجع سابق ، ص 37.

[14] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 38 ، 39 ويتضح ذلك من خلال أحكام نص المادة 627 و 1643 مدني فرنسي والمادة 1652 وما بعدها يتبين أن المشرع الفرنسي لم يرد أن يتعرض للعلاقة بين شروط تعديل ضمان العيوب الخفية، وبين شروط تعديل المسئولية . إلا أن موقف القضاء الفرنسي قد تَطوّر بشأن شروط المسئولية، وتحوله إلى السماح بها كقاعدة عامة إلا في حالات الغش والخطأ العمدي والخطأ الجسيم، وقد نظم الحماية في مواجهة شروط تعديل المسئولية بجميع أنواعها بما في ذلك شروط تعديل الضمان.

[15] د. سمير كامل ، مرجع سابق ،  ص 115.

[16] د. عبدالناصر توفيق العطار ،  العقود المسماة البيع ـ الإيجار ـ التأمين ، كتاب جامعي ، 2000م ، ص337.

[17]  د. أحمد عيسى ، بحث بعنوان شرط الإعفاء من ضمان العيوب الخفية منشور بمجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، ع 84 ،  2011 م ، ص1217.

[18] وقد قضت محكمة النقض بأنه :  إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين يدل ـــ وعلى ما جرى به قضاء النقض ــــ على أن القاضي ملزم بأن يأخذ =عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي، وكما أنه وإن كان المقصود بالوضوح هو =وضوح الإرادة لا اللفظ إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر بصدق عما تقصده الإرادة فمتى كانت عبارة العقد واضحة في إفادة المعنى المقصود منها فإنه لا يجوز الانحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر، وعلى القاضي إذا ما أراد حمل العبارة على معنى مغاير لظاهرها أن يبين في حكمه الأسباب المقبولة التي تبرر هذا المسلك .

الطعن رقم 901 لسنة 68 ، جلسة 30 / 5 / 1999 ، مجموعة أحكام النقض ، س 50 ، ج1 ، ص 768 ، 770.    

[19] د. محمد عبدالسلام نصر عماشة ، مسئولية المنتج عن ضمان العيوب الخفية دراسة مقارنة بين القانون المدني والشريعة الإسلامية ، رسالة دكتوراه ، المنوفية ، 2007 ، ص234.

[20] د. أحمد شوقي محمد عبدالرحمن ، مسئولية البائع عن ضمان العيوب الخفية في بيوع السيارات في الفقه والقضاء المصري والفرنسي ، منشأة دار المعارف ، 2007، ص 139.

[21] د. محمود عبدالحكم رمضان الخن ، التزام البائع بضمان العيوب الخفية في المبيع  دراسة مقارنة  ، رسالة دكتوراه ، المنصورة ، 1994، ص 291.

[22] د. أحمد شوقي محمد عبدالرحمن ، مرجع سابق ، ص 140.

[23] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ـ ص 78.

[24] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 78.

 وقد عدل القضاء الفرنسي في بعض أحكامه، واعتد بصحة هذه الشروط طالما أن المستخدم كان بإمكانه الاطلاع على هذا المستند المنفصل عن العقد، حيث كان بإمكان هذا المستخدم التعرف على ما ورد بالمستندات بسهولة.

 د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 78.

[25] د. محمود عبدالحكم رمضان الخن ، مرجع سابق ،  ص 291. 

[26] د. أحمد شوقي عبدالرحمن ،  مرجع سابق ،  ص 141.

[27] ويتحقق القاضي من نية المتعاقدين؛ لتعديل أحكام الضمان من خلال تفنيد عبارات العقد كاملة، فإن لم يستطع استنباط هذه النية من بين هذه العبارات جاز له أن يلجأ إلى الظروف الخارجية المختلفة، ويتحقق ذلك في عقود برامج الحاسب الآلي عندما ينص العقد على شرط يقضي بضرورة مواكبة البرنامج للتطور، أو قدرة البرنامج على التصدي لأي فيروس خارجي يصيبه . د. أحمد شوقي عبدالرحمن ، مرجع سابق ،  ص 145.

وقد أيدت محكمة النقض المصرية ذلك عندما نصت على أن الاتفاق على إسقاط الضمان أو إنقاصه أو تشديده لا يفترض، وإن جاز أن يتم صراحة أو ضمنا، فيجوز أن يستخلص مثل هذا الاتفاق من ظروف الحال، ولكن يجب أن يثبت اتجاه إرادة المتعاقدين على استبعاد أحكام الضمان بالإسقاط أو بالإنقاص أو بالتشديد، فلا يكفي أن ينص على التشديد في العقد بذكر عبارات عامة تنص على أن البائع يضمن للمشتري كل العيوب، ولا يكفي للدلالة على إسقاط الضمان النص في العقد على أن المشتري عاين المبيع، أو أنه على علم به، كما لا يستفاد الاتفاق على الإعفاء أو الإنقاص من مجرد كون المبيع قديما أو مستعملا، إذ يظل البائع ملزما بضمان عيب الشئ القديم أو المستعمل، فإذا تبين أن بالمبيع عيبا يجعله غير صالح للغرض المقصود تحمل البائع الضمان إن كان وجود العيب في شيء مستعمل قد يجعله ظاهرا؛ لأن مشتري الشيء المستعمل يجب عليه أن يبذل في فحصه من العناية أكثر مما يبذله مشتري الشئ الجديد. نقض جلسة

14 / 6 / 1962 ، مجموعة أحكام النقض ،  ونقض جلسة 2 / 5/ 1946 ، مجموعة أحكام النقض  نقلا عن د. عبدالحكم فودة ، موسوعة التعليق على القانون المدني ، الجزء الخامس ، طبعة نقابة المحامين ، بدون سنة نشر، ص 398.

[28] د. محمد عبدالسلام نصر عماشة ،  مرجع سابق ، ص 235.

[29] د. أحمد شوقي عبدالرحمن ،  مرجع سابق ، ص 141.

[30] د. سمير كامل ، مرجع سابق ، ص 104.

[31] وقد أثار هذا الأمر اختلافا داخل أروقة الفقه الفرنسي، فقد ذهب رأى إلى أن هذه العبارات لا تؤدي إلى زيادة الضمان، فهي لا تعدو أن تكون إلا تكرارا للضمان العادي، وبالتالي لا تنشئ التزامات جديدة أو مشددة على المورد إلا إذا وجد اتفاق صريح وواضح على ذلك، بينما ذهب رأي =آخر إلى أن ذلك يمثل زيادة في الضمان طبقا لما نصت عليه م 1602 مدني فرنسي؛ حماية للمستخدم وخاصة إذا كان غير خبير من غش المورد . د. سمير كامل ، مرجع سابق ، ص  105.

[32] د. محمود عبدالحكم رمضان الخن ، مرجع سابق ، ص 294 حيث نصت م 151/ 2 مدني مصري على أنه : "1ـ يفسر الشك في مصلحة المدين  2 ـ ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن" .

[33] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص43.

[34] د. محمود عبدالحكم رمضان الخن ، مرجع سابق ، ص 298.

[35] يتحقق صراحة هذا الشرط إذا تم التعبير عنه باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا أو باتخاذ أي موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة هذا الشرط، ولكن غالبا ما يكون التعبير عن شرط الاعفاء باللفظ من خلال الكلام الواضح الدال عليه مثل:  بعتك هذا الشيء ولا أضمن لك أي عيب يظهر فيه، أو بعتك هذا الشيء كما هو بعيوبه الظاهرة والخفية، أو البضاعة التي تباع لا ترد ولا تبدل بسبب أي عيب على أن ترد هذه العبارة في العقد ذاته لا على ظهر إيصال يرفق به أو في لوحة توضع في محل المورد إلا إذا كان ورودها على ظهر الإيصال أو في اللوحة ظاهرا وملفتا للنظر د. أحمد عيسى ، مرجع سابق ، ص 1223 وما بعدها.

[36] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 45.

[37] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 46 وقد نصت المادة 217 / 2 مدني مصري على أنه "يجوز الاتفاق على أن إعفاء  المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن =غشه، أو عن خطئه الجسيم، ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه ".

[38] د. أحمد عيسى ،  بحث بعنوان شرط الإعفاء من ضمان العيوب الخفية منشور بمجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، ع 84 ، 2011 م ،  ص 1239.

[39] د. أحمد عيسى ، مرجع سابق ، ص 1243.

[40] د. أحمد شوقي عبدالرحمن ، مرجع سابق ،  ص 169.

[41] د. أحمد عيسى ، مرجع سابق ، ص 1227.

[42] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 48.

[43] د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق ،  ص 358.

[44] د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق ، ص 360.

[45] د. سعيد جبر ، مرجع سابق ، ص 84.

[46] د. عبدالرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الرابع،  العقود التي تقع على الملكية البيع والمقايضة تحديث وتنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي ، طبعة نقابة المحامين ، 2007م ، ص 624  وقد جاء في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي بأن أحكام الضمان ليست من النظام العام، فيجوز الاتفاق على زيادة الضمان كما لو اشترطت مدة أطول من سنة لرفع الدعوى أو على إنقاصه كما لو اشترطت مدة أقل  =من سنة أو أشترط قصر الضمان على العيوب التي لا تظهر إلا بعد الفحص العيني، أو على إسقاط الضمان أصلا، غير أن الاتفاق على الإنقاص أو الإسقاط باطل إذا اقترن بتعمد البائع إخفاء العيب.  مجموعة الأعمال التحضيرية ، مذكرة المشروع التمهيدي لنص المادة 453 مدني ، ج4 ، ص 126 ، 127.

[47] د. عبدالرزاق أحمد السنهوري ، مرجع سابق ، ص 584.

[48] د. سعيد جبر ، الضمان الاتفاقى للعيوب الخفية في عقد البيع ، دار النهضة ، 1985م ، ص 85.

[49] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 52.

[50] د. سعيد جبر ،  مرجع سابق ، ص 86.

 

[51] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 58.

[52] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 59.

[53] د. محمود عبدالحكم رمضان الخن ، مرجع سابق ،  ص 302.

[54] د. عبد الرسول عبد الرضا محمد ، الالتزام بضمان العيوب الخفية في القانون المصري والكويتي ، رسالة دكتوراه ، القاهرة ، 1974، ص 398.

[55] د. عبدالرزاق أحمد السنهوري ، مرجع سابق ، ص 620.

[56] د. رمزي فريد مبروك ، بحث عنوان أسباب سقوط الحق في ضمان العيب الخفي في عقد البيع  دراسة مقارنة  منشور بمجلة البحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق جامعة المنصورة  ، العدد 13 إصدار أبريل 1993 ،  ص 99.

[57] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 72.

[58] د. عبدالرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص 623  ولكن على فرض صحة هذا الشرط طبقا لأحكام القانون المصري، إلا أنه لا يؤثر على التزام المورد قانونا بضمان العيوب الخفية التي تؤثر على صلاحية البرنامج للعمل والمنفعة المرجوة منه. د. سعيد جبر ، مرجع سابق ، ص 73.

[59] د. عمرو عبدالمنعم دبش ، مرجع سابق ، ص 372.

وتأكيدا لذلك ذهبت الدائرة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية إلى تعويض الشركة المشترية للرافعة التلسكوبية عن الفترة التي اضطرت فيها إلى التعطل؛ بسبب إصلاح العيوب الخفية فيها بالرغم من وجود شرط بضمان إصلاح الرافعة يقضي بإعفاء البائع من التزامه بالتعويض. com. 16 oct. 1972, D 1973, 290 note HEMAR    مشار إليه لدى د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 74.

 

[61] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 78.

[62] د. سعيد جبر ، مرجع سابق ،  ص 67 حيث صدرت أحكاما للقضاء الفرنسي تنفي عن هذا المستند أي صفة في الإعفاء من الضمان   paris, 6 November 1963 , G . p . 1964 – 1 – 314; D . 1964 – 253   

وتارة أخرى نجد من أحكام القضاء الفرنسي من يقبل بمثل هذه الشروط طالما أن المستخدم كان بإمكانه الاطلاع على المستند المنفصل خاصة وأن المستخدم كان بإمكانه الاطلاع على ما ورد بهذا المستند بسهولة.    Cass. Com. 21 Janv. 1959 , Bull . Civ . lll. P . 29

[63]LEVY , Recherches sur quelques aspects de la garantie des vices caches dans la vente des vehicles neufs et d'occasion , Rev . Trim . Dr . Civ . 1970 , P . 27 .

مشار إليه لدى د. حسن عبدالباسط جميعي ،مرجع سابق ، ص 78.

[64] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 85.

[65] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 79.

[66]- civ.25 juin1968 BuLL civ.1,p.128.trib civ. Bruxelles, 28octobre 1953, S. civ. 24octobre 1961,D.1962-46,note J . Hemard . 

مشار اليه لدى د. سعيد جبر ، مرجع سابق ، 78 

[67]- Com., 8 octobre 1975,D. 1976 , inf .Raf . p .88

وفي هذا الحكم الأخير أكدت محكمة استئناف باريس صراحة أن الشرط الذي نحن بصدده لا يتضمن لا صراحة ولا ضمنا تنازلا من المشتري عن حقه في التمسك بضمان العيوب الخفية الذي تنص عليه المادة 1641 مدنى فرنسي . د. سعيد جبر ، مرجع سابق ، 79 .

[68] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 79.

[69] د. أحمد عيسى ، مرجع سابق ، ص 1230.

[70] د. حسن عبدالباسط جميعي ، مرجع سابق ، ص 116  إلا أن لجوء المستخدم للقواعد المقررة طبقا لأحكام القواعد العامة مثل: ادعائه بعدم مطابقة البرنامج للمواصفات أو بطلان العقد لوقوع المستخدم في الغلط الذي يوجب البطلان كان محل جدل فقهي بين فقهاء القانون على النحو الذي تم دراسته في المبحث الثاني التمييز بين العيب الخفي والأنظمة المشابهة له من الفصل الثاني  شروط العيب الخفي في برامج الحاسب الآلي  من الباب الثاني  مفهوم العيب الخفي وشروطه في العقود الواردة على برامج الحاسب الآلي من هذا البحث.